فالرسل عليهم الصلاة والسلام على جلالة قدرهم ومكانتهم، يبتلون من أعدايهم
وهذه حكمة من الله سبحانه وتعالى، والله جل وعلا قادر على أن ينتقم منهم، ولكنه
يريد سبحانه أن يكون من المؤمنين جهود في نصرة الأنبياء والمدافعة عنهم وعن
دعوتهم، ﴿ذَٰلِكَۖ وَلَوۡ
يَشَآءُ ٱللَّهُ لَٱنتَصَرَ مِنۡهُمۡ وَلَٰكِن لِّيَبۡلُوَاْ بَعۡضَكُم بِبَعۡضٖۗ﴾ [محمد: 4].
ولهذا فالله جل وعلا يسلي نبيه محمدًا صلى الله عليه وسلم بما جرى لإخوته من الأنبياء والمرسلين من قبله، قال تعالى: ﴿مَّا يُقَالُ لَكَ إِلَّا مَا قَدۡ قِيلَ لِلرُّسُلِ مِن قَبۡلِكَۚ إِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغۡفِرَةٖ وَذُو عِقَابٍ أَلِيمٖ﴾ [فُصِّلَت: 43]، ﴿وَلَقَدۡ كُذِّبَتۡ رُسُلٞ مِّن قَبۡلِكَ فَصَبَرُواْ عَلَىٰ مَا كُذِّبُواْ وَأُوذُواْ حَتَّىٰٓ أَتَىٰهُمۡ نَصۡرُنَاۚ وَلَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَٰتِ ٱللَّهِۚ وَلَقَدۡ جَآءَكَ مِن نَّبَإِيْ ٱلۡمُرۡسَلِينَ﴾ [الأنعام: 34]، هذا تسلية للنبي صلى الله عليه وسلم، وقال تعالى: ﴿فَٱصۡبِرۡ كَمَا صَبَرَ أُوْلُواْ ٱلۡعَزۡمِ مِنَ ٱلرُّسُلِ وَلَا تَسۡتَعۡجِل لَّهُمۡۚ﴾ [الأحقاف: 35]، ونبينا صلى الله عليه وسلم لما بعثه الله في مكة برسالته إلى الناس كافة، وهو واحد أمام العالم بما فيهم من الملاحدة والمشركون وأهل الكتاب من اليهود والنصارى، واجه صلى الله عليه وسلم عالمًا كبيرًا كلهم أعداء له ومخالفون له، وهو شخص واحد، ولكن معه ربه سبحانه وتعالى، ومعه البراهين القاطعة التي تخرس كل مبطل، ولكنه أخذهم بالسعة، والصبر حتى نصره الله عليهم، ولما بعثه لم يكن معه أحد، ثم أول من آمن به من النساء زوجه خديجة بنت خويلد رضي الله عنهما، فكانت نعم العون له، تسكن روعه، وتطمينه، وكذلك فيض الله سبحانه وتعالى عمه أبا طالب يحميه ويدافع عنه، وهو مشرك، وقيض له من المؤمنين أتباعا آمنوا به واحدا تلو الآخر، فأبو بكر الصديق أول من آمن به من الرجال، وبلال الحبشي أول من آمن به من الموالي، وعلي بن أبي طالب أول من آمن به من الصبيان،