ثم إن عقلاءهم تشاوروا
فيما بينهم فنقضوا الصحيفة، وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من الشعب ومن معه،
وفرج الله عنهم، ثم إنه عليه الصلاة والسلام لما طال الأذى عليه وعلى أصحابه في
مكة، أذن لأصحابه بالهجرة إلى الحبشة، كما أنه في الحج كل عام يعرض نفسه على
القبائل، فيقول: «من يؤويني حتى أبلغ
رسالة ربي»، فصادف نفرا من الأوس والخزرج عند جمرة العقبة في منزلهم، فجاءهم
قرأ عليهم القرآن وعرض عليهم دعوته، فدخل ذلك في قلوبهم فأسلموا، وبايعوه على
النصرة والتأييد، وكان اليهود يحدثونهم عن نبي سيبعث ويتوعدونهم به. فقالوا: هذا
الذي تحدثكم عنه اليهود فلا يسبقوكم إليه، ثم رجعوا إلى المدينة ودعوا قومهم إلى
الإسلام فأسلم الخلق الكثير منهم، وجاء في العام الذي بعده الوفد الثاني أكثر
وبايعوا الرسول صلى الله عليه وسلم على النصرة والهجرة إليهم، فوجد صلى الله عليه
وسلم من يحميه ومن ينصره من الأوس والخزرج في المدينة.
فأذن صلى الله عليه وسلم لأصحابه بالهجرة فخرجوا الواحد تلو الآخر على خوف وخفية من قريش، لأنها تريد منعهم من الهجرة ولكنهم يخرجون متسللين، ثم إن الله أذن لنبيه صلى الله عليه وسلم بالهجرة واللحاق بأصحابه، فتآمر المشركون في دار الندوة ليمنعوه من اللحاق بأصحابه، ويمنعوه من الهجرة، فتشاوروا فيما بينهم فمنهم من قال يحبس حتى يموت، ومنهم من قال يطرد من مكة، ولا يأوي إلى بلد، ومنهم من قال يقتل، فاتفق رأيهم على الرأي الأخير على أنه يقتل، وانتدبوا له فتية من قريش يشتركون في قتله حتى يتفرق دمه في القبائل، فترصدوا له عند بابه عليه الصلاة والسلام، يترقبون خروجه من بيته ليقتلوه، فأوحى الله إليه بذلك، وجاءه جبريل بالخبر، فأمر صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب رضي الله عنه أن ينام على فراشه،