×
محاضرات في العقيدة والدعوة الجزء الرابع

الصفة الرابعة: ﴿وَتَوَاصَوۡاْ بِٱلصَّبۡرِ [العصر: 3] على ما يصيبهم من جراء التواصي بالحق.

ماذا واجه النبي صلى الله عليه وسلم من الناس -وهو أفضل الخلق؟- لكنه صبر واستمر على دعوته، وتحمل ما يناله من المشاق، حتى أثمرت دعوته، وأخرج الله بها الناس من الظلمات إلى النور، وانتشر دينه في المشارق والمغارب بمواصلته للدعوة، وحسن ظنه بالله، وعدم يأسه من هدايتهم، وصبره على ما أصابه.

وقد خرج صلى الله عليه وسلم ذات مرة من مكة ضائق الصدر من شدة ما لقي من قومه، فخرج يمشي على وجهه، لا يدري أين يذهب، فجاءه جبريل، ومعه ملك الجبال الموكَّل بها، فقال له: «يَا مُحَمَّدُ، إِنَّ الله قَدْ سَمِعَ قَوْلَ قَوْمِكَ لَكَ، وَأَنَا مَلَكُ الْجِبَالِ وَقَدْ بَعَثَنِي رَبُّكَ إِلَيْكَ لِتَأْمُرَنِي بِأَمْرِكَ، فَمَا شِئْتَ، إِنْ شِئْتَ أَنْ أُطْبِقَ عَلَيْهِمُ الأَْخْشَبَيْنِ» -أي: الجبلين العظيمين المحيطين بمكة شمالاً وجنوبًا، جبل الصفا وجبل المروة-، فقال له رسول الله: «بَلْ أَرْجُو أَنْ يُخْرِجَ اللهُ مِنْ أَصْلاَبِهِمْ مَنْ يَعْبُدُ الله وَحْدَهُ لاَ يُشْرِكُ بِهِ شَيئًا» ([1]).

1 انظر للحلم وحسن الظن بالله عز وجل، وانظر ماذا أنتجت دعوة الرسول صلى الله عليه وسلم ؟ وقد وصفه الله عز وجل بقوله: ﴿وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيمٖ [القَلَم: 4]، فالذي يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، ويدعو إلى الله يحتاج إلى خلق يخالق به الناس، كما قال صلى الله عليه وسلم: «وخالِق الناسَ بخُلُقٍ حسن» ([2])، قال الله له: ﴿وَلَوۡ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ ٱلۡقَلۡبِ لَٱنفَضُّواْ مِنۡ حَوۡلِكَۖ [آل عمران: 159]،


الشرح

([1])  أخرجه: مسلم رقم (1795).

([2])  أخرجه: الترمذي رقم (1987)، وأحمد رقم (21354).