ولكنه كان رحيم القلب عليه
الصلاة والسلام، واسع الأمل بالله عز وجل، فلذلك اجتمعوا عليه، وأعداؤه الذين
كانوا يبارزونه بالعداوة أصبحوا في آخر الأمر من أعظم أصحابه، ومن المجاهدين معه،
نتيجة حلمه وصبره ومواصلته للدعوة، صاروا من خواص أصحابه يدافعون عنه، ويقاتلون
دونه، وهم بالأمس أعداء يقابلونه بالكلام القبيح، وبالسب والشتم، وبالضرب أحيانًا،
وصاروا في آخر الأمر من أخص أصحابه، ومن المجاهدين معه، والمدافعين عنه، وتحملوا
الدعوة بعده، ونشروها في الآفاق، وجاهدوا في سبيل الله بعد وفاته، نتيجة ما أعطاه
الله من الحلم والصبر، وحسن الظن بالله، ومواصلة العمل.
فعلى إخواننا الذين
يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر الذين وكل إليهم هذا، وإلا فكلنا يجب أن ننكر
المنكر بحسب استطاعتنا «من رَأى مِنكُم
نُكَرًا»، لهذا خطاب عام لجميع المسلمين، «فَليُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ، فَإِنْ لَمْ يَستَطعْ فَبِلِسَانِهِ، فَإِنْ
لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ، وَذَلِكَ أَضْعَفُ الإِيمَانِ» ([1])، هكذا لا تترك
الأمة، ويقال: ليس فيهم فائدة، فاتر كوهم، مثلما قال بنو إسرائيل: ﴿لِمَ تَعِظُونَ قَوۡمًا ٱللَّهُ
مُهۡلِكُهُمۡ أَوۡ مُعَذِّبُهُمۡ عَذَابٗا شَدِيدٗاۖ﴾ [الأعراف: 164] ؟
لا، لا نيأس، ولا نكل، ولا نمل، بل نتعاون ونتعاضد.
فعلى إخواننا الذين وكل إليهم هذا الجانب المهم أن يقوموا به على منهج الرسول صلى الله عليه وسلم، وأن يواصلوا العلم وهم على خير، وليكن المسلمون من ورايهم يؤيدونهم، ويدافعون عنهم، لا نقول: إنهم لا يحصل منهم أخطاء، بل قد يحصل من بعضهم أخطاء، لأنهم بشر، ولكن لا نتخذ من أخطائهم سبيلاً إلى الوقوع فيهم، وإلى سبهم،
([1]) أخرجه: مسلم رقم (49).