بل يشفق بعضها بعض، وما
صنع بهم هذا إلا الإيمان بالله عز وجل، فهم لم يكونوا طامعين في دنيا، أو خائفين
من سطوة ظالم يسوقهم، وإنما جاؤوا يسوقهم الإيمان الذي في قلوبهم، التقوا على
الإيمان، وعلى محبة الله ورسوله، ومحبة إخوانهم المؤمنين، صاغهم الإسلام والإيمان
هذه الصياغة العظيمة، لو حاولت أن تجمع عشرة أشخاص أو أقل على قلب رجل واحد ما
استطعت أبدًا، لو بذلت المال وبذلت السطوة والضرب، ما استطعت.
قال تعالى: ﴿وَإِن يُرِيدُوٓاْ أَن يَخۡدَعُوكَ
فَإِنَّ حَسۡبَكَ ٱللَّهُۚ هُوَ ٱلَّذِيٓ أَيَّدَكَ بِنَصۡرِهِۦ وَبِٱلۡمُؤۡمِنِينَ
٦٢وَأَلَّفَ بَيۡنَ قُلُوبِهِمۡۚ لَوۡ أَنفَقۡتَ مَا فِي ٱلۡأَرۡضِ جَمِيعٗا مَّآ
أَلَّفۡتَ بَيۡنَ قُلُوبِهِمۡ وَلَٰكِنَّ ٱللَّهَ أَلَّفَ بَيۡنَهُمۡۚ إِنَّهُۥ
عَزِيزٌ حَكِيمٞ ٦٣﴾ [الأنفال: 62- 63]، فهذا هو الإيمان، وهذه آثاره على
المسلمين، وكذلك من آثار الإيمان على المؤمنين أن المؤمن لا يغش أخاه المؤمن، ولا
يخدعه، ولا يخونه، ولا يظلمه، فإن خان أو غش أو ظلم فهو ناقص الإيمان، والمؤمن
حقًّا يوفي بالعهد إذا عاهد ولا يخون العهد، لا مع المسلمين، ولا مع الكفار، لا مع
الولاة، ولا مع العامة، قال تعالى: ﴿وَأَوۡفُواْ
بِعَهۡدِ ٱللَّهِ إِذَا عَٰهَدتُّمۡ وَلَا تَنقُضُواْ ٱلۡأَيۡمَٰنَ بَعۡدَ
تَوۡكِيدِهَا﴾ [النحل: 91].
فالمؤمن لا يخون، لأن إيمانه يمنعه من الخيانة والغدر والظلم والعدوان حتى مع الكفار إذا عاهدهم، قال تعالى: ﴿وَأَوۡفُواْ بِٱلۡعَهۡدِۖ إِنَّ ٱلۡعَهۡدَ كَانَ مَسُۡٔولٗا﴾ [الإسراء: 34]. وقال صلى الله عليه وسلم: «مَنْ قَتَلَ مُعَاهَدًا لَمْ يَرِحْ رَائِحَةَ الْجَنَّةِ وَإِنَّ رِيحَهَا تُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ أَرْبَعِينَ عَامًا» ([1]).
([1]) أخرجه: البخاري رقم (3166).