كفرهم، واستبعد وأَيِس من
هدايتهم ودعا عليهم باللعنة، فأنزل الله عز وجل: ﴿لَيۡسَ
لَكَ مِنَ ٱلۡأَمۡرِ شَيۡءٌ﴾.
لأن الله سبحانه وتعالى يعلم ما لا يعلمه الرسول صلى الله عليه وسلم ! فقد
أسلم هؤلاء الثلاثة وحَسُن إسلامهم، ولما ارتد الناس بعد وفاة النبي صلى الله عليه
وسلم وقف سهيل بن عمرو خطيبًا في أهل مكة يثبتهم على الإسلام، وقال لهم: «لا تكونوا آخِر مَن أسلم، وأول مَن ارتد!
والله إن هذا الدين ليمتدن امتداد الشمس والقمر، من طلوعهما إلى غروبهما» ([1]). فثَبَت أهل مكة
على الإسلام ولم يرتدوا بسبب هذا الرجل الذي جعل الله فيه الخير.
فهذا دليل على أن الإنسان مهما بلغ من الضلال ومهما بلغ من الكفر، فإنه لا
يُيأس من هدايته؛ لأن القلوب بيد الله سبحانه وتعالى.
وفيه أيضًا: أنه لا يَعلم الغيب إلاَّ الله سبحانه وتعالى، وأنه لا يُحكم
على المعينين بالنار، إلاَّ مَن حَكَم عليه الله سبحانه وتعالى في القرآن، أو
حَكَم عليه الرسول صلى الله عليه وسلم.
ولهذا فإن من عقيدة أهل السُّنة والجماعة: أنهم لا يشهدون لأحد بجنة ولا نار إلاَّ مَن شهد له رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكنهم يرجون للمحسنين ويخافون على المسيئين، ولا يَجزمون لأحد؛ لأن العواقب بيد الله سبحانه وتعالى ! والإنسان مهما بلغ من الكفر والشرك والعناد، فإنه قد يهديه الله سبحانه وتعالى ويصبح من أولياء الله الصالحين.
([1]) ذكر ذلك الأثر: ابن عبد البر في الاستيعاب (2/ 670)، وابن الأثير في أُسْد الغابة (2/ 557).