أما أنه يَنتفع بما خلق الله، ويطلع على أسرار المخلوقات ومنافعها، فالله
سبحانه هو الذي أطلعه عليها، وهو الذي سَخَّرها، خَلَق هذا الخلق من أجل هذا، من
أجل المنافع ومصالح العباد، فهم لم يخلقوها وإنما انتفعوا بها واطلعوا على شيء من
أسرارها ومنافعها؛ لمصالحهم ومصالح غيرهم.
أما الخلق فإنه من اختصاص الله عز وجل. والذي لا يَقْدِر على أن يخلق شيئًا
لا يجوز أن يُعبد من دون الله.
هذا برهان من براهين التوحيد وبطلان الشرك، وهم يعترفون بهذا، ولم يقل: «ما لم يخلق شيئًا»، إنما قال: ﴿مَا لَا يَخۡلُقُ شَيۡٔٗا﴾ يعني: لا في الحاضر
ولا في المستقبل. لكن لو قال: «ما لم يخلق»
يمكن أن يقولوا: أجدادنا الذين في الماضي لم يستطيعوا، لكن لعلنا نستطيع ذلك بعدما
تطور العلم!! فالله عز وجل قَطَع الطريق عليهم بقوله: ﴿مَا لَا يَخۡلُقُ شَيۡٔٗا﴾.
وهذا تَحَدٍّ منه سبحانه وتعالى لهؤلاء المشركين، فإذا كانوا صادقين في أن
آلهتهم التي عبدوها من دون الله تستحق العبادة، فليبرهنوا على أنها تَقْدِر على أن
تخلق شيئًا! ولن يستطيعوا ذلك.
قوله: ﴿وَهُمۡ
يُخۡلَقُونَ﴾ أي: هذه المعبودات مخلوقة، فإذا كانت لا تخلق فهي
مخلوقة، قال عز وجل: ﴿أَمۡ خُلِقُواْ مِنۡ
غَيۡرِ شَيۡءٍ أَمۡ هُمُ ٱلۡخَٰلِقُونَ ٣٥أَمۡ خَلَقُواْ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضَۚ
بَل لَّا يُوقِنُونَ ٣٦﴾ [الطور: 35- 36]، والمخلوق لا يصلح أن يَعبد مخلوقًا
مثله؛ إذ كيف تعبده وهو مخلوق مثلك؟!