فأنزل الله عز وجل: ﴿مَا كَانَ
لِلنَّبِيِّ وَٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ أَن يَسۡتَغۡفِرُواْ لِلۡمُشۡرِكِينَ وَلَوۡ كَانُوٓاْ
أُوْلِي قُرۡبَىٰ مِنۢ بَعۡدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمۡ أَنَّهُمۡ أَصۡحَٰبُ ٱلۡجَحِيمِ
١١٣وَمَا كَانَ ٱسۡتِغۡفَارُ إِبۡرَٰهِيمَ لِأَبِيهِ إِلَّا عَن مَّوۡعِدَةٖ وَعَدَهَآ
إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُۥٓ أَنَّهُۥ عَدُوّٞ لِّلَّهِ تَبَرَّأَ مِنۡهُۚ إِنَّ
إِبۡرَٰهِيمَ لَأَوَّٰهٌ حَلِيمٞ ١١٤﴾ [التوبة: 113- 114].
لما نزلت هذه الآيات تأسف ناس من الصحابة؛ لأنهم كانوا يستغفرون لآبائهم،
فخافوا أن يؤاخذوا بفعلهم هذا بعدما تبين لهم أن هذا أمر غير جائز.
فأنزل الله: ﴿وَمَا كَانَ ٱللَّهُ
لِيُضِلَّ قَوۡمَۢا بَعۡدَ إِذۡ هَدَىٰهُمۡ حَتَّىٰ يُبَيِّنَ لَهُم مَّا
يَتَّقُونَۚ﴾ [التوبة: 115] أي: أن ما فعله الإنسان قبل أن يتبين له
الحق فإنه لا يؤاخذ به، فهم فعلوا هذا قبل أن يُنْهَوا عن الاستغفار فلا يضرهم.
وهذا كقوله عز وجل: ﴿وَمَا
كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّىٰ نَبۡعَثَ رَسُولٗا﴾ [الإسراء: 15]، وقوله:
﴿وَمَا كَانَ رَبُّكَ
مُهۡلِكَ ٱلۡقُرَىٰ حَتَّىٰ يَبۡعَثَ فِيٓ أُمِّهَا رَسُولٗا يَتۡلُواْ عَلَيۡهِمۡ
ءَايَٰتِنَاۚ﴾ [القصص: 59]، وغير ذلك من الآيات التي يبين الله عز وجل
فيها أنه لا يعذب قبل إقامة الحجة.
فهذا عُذْر لهم فيما فعلوه، ودَفْع لما حصل لهم من الخوف والندم على ما
فعلوه.
فهذه الآيات التي نهى فيها الله عز وجل النبي صلى الله عليه وسلم والمؤمنين أن يستغفروا للكفار والمشركين - تدل على تحريم الاستغفار لهم والترحم عليهم ولو كانوا أُولي قربى، حتى ولو كان الكافر أبًا للمسلم أو ابنه أو أخاه، أو ابن عمه، فكيف الاستغفار للأباعد؟!