ومن ناحية أخرى: أنه يتدرج بالناس شيئًا فشيئًا؛ كما تدرج بقوم نوح من
تذكر العبادة والنشاط والمَقصِد الحسن، إلى المقصد السيئ والشرك بالله عز وجل.
وليس هذا مقصورًا على شيطان الجن، بل شيطان الإنس كذلك يعمل هذا العمل،
فدعاة السوء ودعاة الضلال - أيضًا - يمكرون بالأمة الإسلامية مثل ما يمكر الشيطان،
قال عز وجل: ﴿وَكَذَٰلِكَ
جَعَلۡنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوّٗا شَيَٰطِينَ ٱلۡإِنسِ وَٱلۡجِنِّ يُوحِي
بَعۡضُهُمۡ إِلَىٰ بَعۡضٖ زُخۡرُفَ ٱلۡقَوۡلِ غُرُورٗاۚ﴾ [الأنعام: 112].
المسألة الثامنة: فيه دليل على تحريم الغلو في قبور الصالحين، فقول ابن
القيم: «لما ماتوا عكفوا على قبورهم»
فيه: التحذير من الغلو في قبور الصالحين، وذلك بالعكوف عندها، أو البناء عليها...
أو غير ذلك من أي مظاهر الغلو.
والنبي صلى الله عليه وسلم حَذَّر من البناء على القبور، وحَذَّر من الصلاة
والدعاء عندها؛ لأن ذلك وسيلة إلى الشرك، وحَذَّر صلى الله عليه وسلم من إسراج
القبور، فعن ابن عباس رضي الله عنهما: «لَعَنَ
رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم زَائِرَاتِ الْقُبُورِ، وَالْمُتَّخِذِينَ
عَلَيْهَا الْمَسَاجِدَ وَالسُّرُجَ» ([1])؛ لأن العوام يغترون
بهذا، ويقولون: ما عُمِل به هذا العمل إلاَّ لأنه يضر أو ينفع.
ولذلك أوصى النبي صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب رضي الله عنه فقال: «لاَ تَدَعَ تِمْثَالاً إلاَّ طَمَسْتَهُ وَلاَ قَبْرًا مُشْرِفًا إلاَّ سَوَّيْتَهُ» ([2])، المُشْرِف: هو المرتفع
([1]) أخرجه: أبو داود رقم (3236)، والترمذي رقم (320)، والنسائي رقم (2043)، وأحمد رقم (203).