فلا يأتي واحد ويقول: هذه حصى صغار لا تَفعل شيئًا!! ويأخذ حصى كبارًا
يَضرب بها الشيطان بزعمه، هذا غلو، إنما يرمي بمثل ما رَمَى به النبي صلى الله
عليه وسلم وقال: «بِأَمْثَالِ هَؤُلاَءِ
فَارْمُوا، وَإِيَّاكُمْ وَالْغُلُوَّ».
فهذا النهي في حصى الجمار وفي غيرها؛ لأن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص
السبب.
وهذا يدل على أن الواجب علينا التقيد بالعبادة كما جاءت في سنة رسول الله
صلى الله عليه وسلم، وليس لنا أن نتدخل في تحديد العبادة ومواقيتها وصفاتها
وهيئاتها، وإنما يُتبع في هذا ما دل عليه الدليل من كتاب الله وسُنة رسوله صلى
الله عليه وسلم.
ثم أخبر صلى الله عليه وسلم أن هلاك الأمم السابقة كان بسبب الغلو في
العبادات؛ كما ذَكَر عن بني إسرائيل، وكما ذَكَر عن قوم نوح لما غَلَوا في
الصالحين، ومثل النصارى لما غَلَوا في عيسى عليه السلام، حيث أخرجهم الغلو من
الدين إلى الكفر - والعياذ بالله - فهلكوا، وهم يريدون النجاة، لكن لما كانت
طريقتهم غير مشروعة، لم تحصل لهم النجاة، وإنما حصل لهم الهلاك.
فكل أحد يريد النجاة من غير أن يسلك طريقها فإنه هالك، لا نجاة إلاَّ
باتباع الرسول صلى الله عليه وسلم. ومهما كَلَّف الإنسان نفسه وكان مخالفًا لمنهج
الرسول صلى الله عليه وسلم فإنه غالٍ وهالك، وهو مشابه لمن كان قبلنا من الغلاة.
ففي هذا: التحذير من الغلو في العبادات، والغلو في الأشخاص، والغلو في كل
شيء، والمثل يقول: «كل شيء جاوز حدَّه
انقلب إلى ضدِّه»، كل غلو فهو طريق هلاك.