ثم يتأخر إلى جهة الشرق قليلاً فيقول: السلام عليك يا أبا بكر! ثم يتأخر
قليلاً فيقول: السلام عليك يا أبتِ! ثم ينصرف ([1]).
وهكذا كان عمل المسلمين عند السلام على الرسول صلى الله عليه وسلم وعلى
صاحبيه رضي الله عنهما، ما كانوا يمكثون ولا يكررون الزيارة.
حتى إن الصحابة في المدينة لم يكن من شأنهم أن يأتوا قبر الرسول صلى الله
عليه وسلم ويسلموا عليه وعلى صاحبيه كلما دخلوا إلى المسجد؛ لأن هذا يُعتبر من
الغلو، إنما كانوا يُسَلِّمون على الرسول إذا جاءوا من سفر - كما فَعَل ابن عمر
رضي الله عنهما؛ لأنهم عَرَفوا أن هذا من الغلو الذي حَذَّر منه النبي صلى الله
عليه وسلم، وهم أعلم الناس وأفقه الناس بمقاصد الرسول.
حتى إن الإمام مالكًا رحمه الله كان يَكره أن يقول الإنسان: «زرت قبر الرسول صلى الله عليه وسلم !» لأن زيارة قبر الرسول صلى الله عليه وسلم لم يَرِد بها دليل خاص. والأحاديث المروية في زيارة قبره كلها موضوعة أو ضعيفة شديدة الضعف، لم يَثبت منها شيء. وإنما تَدخل زيارة قبره صلى الله عليه وسلم في عموم قوله: «كُنْتُ نَهَيْتُكُمْ عَنْ زِيَارَةِ الْقُبُورِ فَزُورُوهَا؛ فَإِنَّهَا تُذَكِّرُ الآْخِرَةَ» ([2])، أما أنه ورد لفظ خاص بزيارة قبر الرسول صلى الله عليه وسلم فهذا لم يَثبت أبداً، كما نَبَّه على ذلك الحفاظ؛ كشيخ الإسلام ابن تيمية، وابن حجر، وابن عبد الهادي... وغيرهم من الأئمة الحُفاظ.
([1]) أخرجه: عبد الرزاق رقم (6724)، وابن أبي شيبة رقم (11793)، والبيهقي في الكبرى رقم (10271).