×
تعليقات على كتاب قرة عيون الموحدين في تحقيق دعوة الأنبياء والمرسلين الجزء الثاني

ثم قال صلى الله عليه وسلم: «اشْتَدَّ غَضَبُ اللَّهِ عَلَى قَوْمٍ اتَّخَذُوا قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ مَسَاجِدَ» ([1]) هذا تحذير بعد تحذير، حيث سبق أن لَعَن الرسول صلى الله عليه وسلم اليهود والنصارى بسبب فعلهم هذا، وهو في سياق الموت، ولَعَنهم قبل أن يموت بخمس، ولَعَنهم هنا في هذا الحديث بقوله: «اشْتَدَّ غَضَبُ اللَّهِ».

والغضب صفة من صفاته سبحانه وتعالى، فالله يغضب كما أنه يفرح ويضحك ويحب، كما جاءت بذلك النصوص. وكل هذه الصفات تليق بجلاله، فيغضب ليس كغضب المخلوق، ويفرح لا كفرح المخلوق، ويضحك لا كضحك المخلوق، ويحب كما يليق بجلاله وعظمته، ليس كمحبة المخلوق.

هذا هو مذهب أهل السُّنة والجماعة، يُثبتون لله ما أثبته لنفسه أو أثبته له رسوله من الصفات، من غير تحريف ولا تأويل، ومن غير تكييف ولا تمثيل، فيُثبتون أن الله يغضب، وأنه يشتد غضبه، وأنه يمقت، والمقت أشد الغضب.

فدل ذلك على أن مَن جعل القبر مسجدًا، فقد اتخذه وثنًا يُعبد.

ودل على أن هذه الأضرحة المبنية على القبور التي يطاف بها الآن، ويُنذر لها، ويُذبح لها، ويستغاث بها - أوثان، لا فرق بينها وبين اللات والعُزَّى ومَناة الثالثة الأخرى! وإن سَمَّوها مساجد، أو سَمَّوها مقامات للصالحين! فالتسمية لا تغيِّر المعنى، فهي أوثان كما سماها الرسول صلى الله عليه وسلم.


الشرح

([1])  أخرجه مالك في (الموطأ) (1/172)، وابن سعد في (الطبقات الكبرى) ( 2141).