×
تعليقات على كتاب قرة عيون الموحدين في تحقيق دعوة الأنبياء والمرسلين الجزء الثاني

 لأن العرب لا يعرفون لسان العجم﴿وَمَآ أَرۡسَلۡنَا مِن رَّسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوۡمِهِۦ لِيُبَيِّنَ لَهُمۡۖ [إبراهيم: 4]، ﴿بِلِسَانِ قَوۡمِهِۦ: يعني: بِلُغَتهم.

وكذلك كان صلى الله عليه وسلم معروفًا قبل البعثة بأمانته وصدقه، حتى إن أهل مكة كانوا يُودِعون عنده ودائعهم ويسمونه بالأمين، عليه الصلاة والسلام.

الصفة الثانية: ﴿عَزِيزٌ عَلَيۡهِ مَا عَنِتُّمۡ، ﴿مَا عَنِتُّمۡ: يعني: ما يتعبكم، من العنت وهو التعب. و﴿عَزِيزٌ عَلَيۡهِ: يعني: شديد عليه.

فهو صلى الله عليه وسلم يشق عليه ما يشق عليكم؛ لأنه يريد لكم السهولة، ويريد رفع الحرج عنكم، فلا يرضى لأمته بالمشقة والتعب.

وقد كان صلى الله عليه وسلم يحب أن يفعل الشيء ثم يتركه خَشية أن يشق على الأمة؛ ولهذا قال صلى الله عليه وسلم: «لَوْلاَ أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي، لَأَمَرْتُهُمْ بِالسِّوَاكِ مَعَ كُلِّ صَلاَةٍ» ([1]).

وقد خرج صلى الله عليه وسلم ذات ليلة من ليالي رمضان في جوف الليل، فصلى في المسجد فصلى رجال بصلاته، فأصبح الناس فتحدثوا، فاجتمع أكثر منهم فصَلَّوا معه، فأصبح الناس يتحدثون، فكثر أهل المسجد من الليلة الثالثة، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فصَلَّوا بصلاته، فلما كانت الليلة الرابعة عجز المسجد عن أهله حتى خرج لصلاة الصبح. فلما قَضَى الفجر أقبل على الناس، فتشهد، ثم قال: «أَمَّا بَعْدُ، فَإِنَّهُ لَمْ يَخْفَ عَلَيَّ مَكَانُكُمْ، لَكِنِّي خَشِيتُ أَنْ تُفْرَضَ عَلَيْكُمْ، فَتَعْجِزُوا عَنْهَا» ([2]).


الشرح

([1])  أخرجه: البخاري رقم (887)، ومسلم رقم (252).

([2])  أخرجه: البخاري رقم (429)، ومسلم رقم (761).