فدل هذا على أن في الأمم السابقة مَن يتخذ المساجد على القبور. وسيكون في
هذه الأمة مَن يتخذ المساجد على القبور؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: «لَتَتَّبِعُنَّ سَنَنَ مَنْ كَانَ
قَبْلَكُمْ».
هذا هو الشاهد من الآية الكريمة، أنه سيوجد في هذه الأمة مَن يَبني المساجد
على القبور، ويتخذ القبور مُصلَّيات. وإذا جمعتَ بين الآيات والأحاديث ظهر لك
مطابقتها الترجمة، وهذا من فقهه رحمه الله.
قوله صلى الله عليه وسلم: «لَتَتْبَعُنَّ
سَنَنَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ» هذه قاعدة، أن هذه الأمة ستتشبه بالأمم السابقة
في جميع ما يفعلون، ومن ذلك الشرك، فسيكون في هذه الأمة شرك وكفر. و«سَنَنَ» أو «سُنن» كله سواء، «سَنَنَ»:
طريق. و«سُنن»: طرق.
قوله: «حَذْوَ الْقُذَّةِ بِالْقُذَّةِ»
«الْقُذَّةِ»: الريشة التي تكون في
السهم الذي يُرمى به. فقد كانوا من قبل سلاحهم النبل، فيصنعون السهام، فيجعلون رأس
السهم حادًّا، ويجعلون له ريشتين متعادلتين كالجناحين للطائر، حتى إذا انطلق السهم
وطار في الهواء يتعادل ولا يسقط، فلو اختلفت إحدى الريشتين سقط السهم.
والمعنى: أن هذه الأمة ستتساوى مع الأمم السابقة كتساوي القُذة بالقُذة،
فيكون فيها من الشرك والكفر وغير ذلك كما كان في الأمم السابقة.
قوله: «حَتَّى لَوْ دَخَلُوا جُحْرَ
ضَبٍّ لَدَخَلْتُمُوهُ» حتى لا تترك من أعمالها شيئًا، حتى الأعمال التي لا
قيمة لها؛ كما لو دخلوا جحر ضَب - وهو أسوأ الجحور وأعسرها - لكان في هذه الأمة
مَن يقلدهم فيَدخل مثلهم.