وسبب نزول الآية: أنه لما هاجر النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة،
وظهر الإسلام في المدينة، وانتصر المسلمون في غزوة بدر؛ غاظ ذلك اليهود، فذهب
اثنان من زعمائهم - هما: حُيَي بن أخطب وكعب بن الأشرف - إلى المشركين في مكة
يستنجدونهم على محمد، فسألهم كفار مكة عن حالهم وعن حال محمد: أيهم خير؟ قالوا:
وما أنتم وما محمد؟ فقالوا: نحن نصل الأرحام، وننحر الكَوماء، ونَسقي الماء على
اللبن، ونفك العُنَاة، ونَسقي الحجيج، ومحمد صُنبور - يعني: مقطوع النسل لا مال له
- قطع أرحامنا، واتبعه سُراق الحجيج من غِفَار، فنحن خير أم هو؟ فقالوا: أنتم خير
وأهدى سبيلاً.
قالوا هذا وهم أهل كتاب، ويعلمون أن محمدًا رسول الله، وأن المشركين
عُبَّاد أوثان، ولكن حملهم الحسد لرسول الله صلى الله عليه وسلم ولأصحابه على أنهم
قالوا: أنتم خير من محمد. وهم يعلمون أن محمدًا صلى الله عليه وسلم على الحق، وأن
كفار قريش على الباطل.
فسمى الله ذلك إيمانًا بالجِبت والطاغوت، وسماه كفرًا بالله عز وجل.
فدل على أن مَن تلفظ بكلام الكفر يكون كافرًا ولو كان في قلبه يعتقد بطلان
ما يقول؛ لأن هؤلاء كانوا يعتقدون بقلوبهم بطلان هذا القول، لكن قالوه لهدف
يريدونه فقط، فسماه الله إيمانًا بالجِبت والطاغوت، فدل على أن الإيمان بالجِبت
والطاغوت لا يقتصر على تصديق القلب، بل يكون بالقول باللسان، فمن قال كلمة الكفر
فإنه يَكفر.