وفي هذا رَدٌّ على المرجئة - خصوصًا مرجئة هذا العصر - الذين يقولون: إن
العبد لا يَكفر إلاَّ إذا صَدَّق بقلبه، ولو فَعَل ما فَعَل، ولو قال ما قال من
عظائم الكفر، لا يُحْكم عليه بالكفر حتى يعتقد بقلبه!!
مع أن كعب بن الأشرف وحُيَي بن أخطب لم يعتقدا بقلوبهما، بل كانا يعتقدان
بطلان هذا القول، ومع هذا حَكَم الله عز وجل عليهما بالكفر، فقال: ﴿يُؤۡمِنُونَ بِٱلۡجِبۡتِ وَٱلطَّٰغُوتِ﴾ سماه إيمانًا
بالجِبت والطاغوت، وهذا كفر،﴿وَيَقُولُونَ
لِلَّذِينَ كَفَرُواْ﴾ أي: المشركين من أهل مكة ﴿هَٰٓؤُلَآءِ
أَهۡدَىٰ مِنَ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ سَبِيلًا﴾ أهدى من محمد صلى
الله عليه وسلم وأصحابه﴿أُوْلَٰٓئِكَ ٱلَّذِينَ
لَعَنَهُمُ ٱللَّهُۖ وَمَن يَلۡعَنِ ٱللَّهُ فَلَن تَجِدَ لَهُۥ نَصِيرًا ٥٢أَمۡ
لَهُمۡ نَصِيبٞ مِّنَ ٱلۡمُلۡكِ فَإِذٗا لَّا يُؤۡتُونَ ٱلنَّاسَ نَقِيرًا ٥٣﴾ [النساء: 52-53].
بَيَّن سبحانه الذي حملهم على هذا﴿أَمۡ
يَحۡسُدُونَ ٱلنَّاسَ عَلَىٰ مَآ ءَاتَىٰهُمُ ٱللَّهُ مِن فَضۡلِهِۦۖ﴾ [النساء: 54]
فبَيَّن سبحانه أن الذي حملهم على هذا الحسدُ، وهم لا يعتقدونه بقلوبهم.
والشاهد من الآية للباب: أنه إذا كان في اليهود مَن يؤمن بالجِبت والطاغوت فسيكون في هذه الأمة مَن يفعل ذلك تشبهًا بهم؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم أخبر أنه سيكون في هذه الأمة مَن يتشبه باليهود والنصارى، حيث قال: «مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ، حَذْوَ الْقُذَّةِ بِالْقُذَّةِ، حَتَّى لَوْ دَخَلُوا جُحْرَ ضَبٍّ لَدَخَلْتُمُوهُ»، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى؟ قَالَ: «فَمَنْ؟!» ([1]) أي: مَن غير اليهود والنصارى؟!
([1]) أخرجه: البخاري رقم (3456)، ومسلم رقم (2669).