قوله: «وقال جابر: الطواغيت: كهان كان
يَنزل عليهم الشيطان، في كل حي واحد» هذا تفسير آخر للآية.
التفسير الأول: أن الطاغوت المراد به الشيطان، يعني: جنس الشياطين،
وليس هو خاصًّا بإبليس، وكل شيطان فإنه طاغوت، سواء كان من الجن أو من الإنس.
التفسير الثاني: أن الطواغيت كهان، كانت تنزل عليهم الشياطين، وكان
العرب يتحاكمون إليهم في الجاهلية.
والطاغوت له أفراد، وليس هو بنوع واحد، وكل من المفسرين يأخذ بنوع، اختلاف
المفسرين ليس اختلاف تضاد، وإنما هو اختلاف تنوع، كل منهم يذكر معنى من معاني
الآية. فعندما تكون الآية عامة للمعاني يأخذ كل مفسر بمعنى يفسر به الآية، فلا
يقال: إن الآية ليس لها تفسير إلاَّ هذا. بل هذا من تفسير الآية.
فلا تنافي بين تفسير الآية بالشيطان وتفسيرها بالكهان؛ لأن الآية تشمل هذا
وهذا، فالطاغوت أنواع كثيرة، منها الشيطان وهو رأس الطواغيت، ومنها مَن حَكَم بغير
ما أنزل الله، ومنها مَن ادعى علم الغيب، ومنها الكهان الذين كانوا يتحاكمون إليهم
في الجاهلية.
وهؤلاء الكهان كانت تنزل عليهم الشياطين التي تسترق السمع؛ كما قال الله عز
وجل: ﴿هَلۡ أُنَبِّئُكُمۡ عَلَىٰ مَن
تَنَزَّلُ ٱلشَّيَٰطِينُ ٢٢١تَنَزَّلُ عَلَىٰ كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٖ ٢٢٢يُلۡقُونَ
ٱلسَّمۡعَ وَأَكۡثَرُهُمۡ كَٰذِبُونَ ٢٢٣﴾ [الشعراء: 221-
223].