والتطير كان موجودًا في الأمم السابقة، وذَكَره الله عن قوم فرعون أنهم
تطيروا بموسى ومَن معه. وذَكَره الله عن قوم صالح - وهم ثمود - أنهم تطيروا بصالح
ومَن معه، كما في سورة «النمل».
وذَكَره الله عن المشركين في سورة «يس»
أنهم تطيروا بالرسل الذين جاءوهم ينذرونهم الشرك: ﴿قَالُوٓاْ
إِنَّا تَطَيَّرۡنَا بِكُمۡۖ﴾ [يس: 18]. وتَطَيَّر المشركون بنبينا محمد صلى الله
عليه وسلم: ﴿وَإِن تُصِبۡهُمۡ
حَسَنَةٞ يَقُولُواْ هَٰذِهِۦ مِنۡ عِندِ ٱللَّهِۖ وَإِن تُصِبۡهُمۡ سَيِّئَةٞ
يَقُولُواْ هَٰذِهِۦ مِنۡ عِندِكَۚ﴾ [النساء: 78]، أي: من عند الرسول صلى الله عليه وسلم.
فقد اتفق الكفرة في مختلف الأزمان والقرون على التطير بالصالحين من الرسل
وأتباعهم، وظنوا أن الشر إنما يأتي منهم وبسببهم!! وهذا انتكاس في الفِطَر؛ لأن
الرسل وأتباعهم يأتون بالخير ولا يأتون بالشر، وهم سبب للخير في الأرض، وسبب لصلاح
الأرض وصلاح أهلها. وأما الكفر والكفرة فهم سبب للشر وفساد الأرض وفساد أهلها.
وهذا هو الواقع.
والأمر من قبل ومن بعد راجع كله إلى الله سبحانه وتعالى، فهو يُنزل الشر
بمن يستحقه بسبب فعله السيئ جزاء له، ويُنزل الخير على من يستحقه بسبب فعله الطيب
جزاء له.
والجزاء من جنس العمل، فيضع سبحانه الشر فيمن يستحقه، وسببه مِن قِبل
العبد. ويضع الخير فيمن يستحقه، وسببه مِن قِبل العبد وهو الطاعة.
فالأسباب مِن قِبل العباد. وأما خلق الخير والشر والإيجاد فهو من الله عز
وجل. هذا هو الاعتقاد السليم، وهذا هو الذي جاءت به الرسل عليهم الصلاة والسلام.