×
تعليقات على كتاب قرة عيون الموحدين في تحقيق دعوة الأنبياء والمرسلين الجزء الثاني

ولهذا لا يجوز أن يقال بعد بعثة الرسول صلى الله عليه وسلم: «الناس في جاهلية بإطلاق»، أو «نحن الآن نعيش في جاهلية أشد من الجاهلية التي بُعِث فيها الرسول». هذا الكلام لا يجوز؛ لأن الجاهلية العامة زالت ببعثة الرسول صلى الله عليه وسلم، والحمد لله. وما دام القرآن والسُّنة موجودَين فليس هناك جاهلية عامة.

لكن ليس مَن قامت به خصلة من خصال الجاهلية يكون كافرًا، بل يكون فيه جاهلية حتى يَدَعها.

فهذه الخصال من كبائر الذنوب، لكنها لا تقتضي الكفر، إنما تقتضي الفسق ونقص الإيمان؛ ولهذا قال صلى الله عليه وسلم: «فِي أُمَّتِي»، وقال لبعض أصحابه: «إِنَّكَ امْرُؤٌ فِيكَ جَاهِلِيَّةٌ» مع أنه من أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم، بل من أفضل أصحابه! فدل على أن مَن كان فيه خَصلة من خصال الجاهلية فإنه لا يَكفر، لكن يعتبر هذا من أعظم الذنوب بعد الشرك.

وهذا الصحابي الجليل تاب إلى الله وتَرَك هذه الخَصلة، وقصته أنه لقي عمار بن ياسر رضي الله عنهما، فعَيَّره بأمه وقال له: يا بن السوداء!! فشكاه عمار إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فلقيه النبي صلى الله عليه وسلم فقال له: «إِنَّكَ امْرُؤٌ فِيكَ جَاهِلِيَّةٌ»؛ لأن هذا من أمور الجاهلية، ولأن المسلمين إخوة، لا فخر لأحدهم على الآخَر إلاَّ بالتقوى؛ كما قال صلى الله عليه وسلم: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ، ألاَ إِنَّ رَبَّكُمْ وَاحِدٌ، وَإِنَّ أَبَاكُمْ وَاحِدٌ، ألاَ لاَ فَضْلَ لِعَرَبِيٍّ عَلَى عَجَمِيٍّ، وَلاَ لِعَجَمِيٍّ عَلَى عَرَبِيٍّ، وَلاَ أَحْمَرَ عَلَى أَسْوَدَ، وَلاَ أَسْوَدَ عَلَى أَحْمَرَ، إلاَّ بِالتَّقْوَى» ([1])، وقال الله عز وجل: ﴿إِنَّ أَكۡرَمَكُمۡ عِندَ ٱللَّهِ أَتۡقَىٰكُمۡۚ [الحجرات: 13].


الشرح

([1])  أخرجه: أحمد رقم (23489)، والطبراني في الكبير رقم (16).