وأما
كون حامده ينقلب ذامًّا، فهذا يقع كثيرًا ويحصل في العاقبة؛ فإن العاقبة للتقوى، لا
تحصل ابتداء عند أهوائهم». انتهى.
**********
لحديث عائشة رضي الله عنها هذا قصة، وهي: أن معاوية رضي الله عنه لما وَلِي
الُملْك، كَتَب إلى أم المؤمنين يَطلب منها النصيحة؛ لأنها زوج رسول الله صلى الله
عليه وسلم، وعندها من العلم الشيء الغزير الذي حملته عن رسول الله صلى الله عليه
وسلم، فهي فقيهة النساء! فكتبت إليه: «أَمَّا
بَعْدُ، فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «مَنِ
الْتَمَسَ رِضَا اللَّهِ بِسَخَطِ النَّاسِ كَفَاهُ اللَّهُ مُؤْنَةَ النَّاسِ،
وَمَنِ الْتَمَسَ رِضَا النَّاسِ بِسَخَطِ اللَّهِ عز وجل وَكَلَهُ اللَّهُ عز وجل
إِلَى النَّاسِ، وَالسَّلاَمُ عَلَيْكَ».
ما أحسن هذه النصيحة لولاة الأمور، ولكل مسلم! أن يسير على هذا المنهج الذي
رسمه رسول الله صلى الله عليه وسلم بكلمتين؛ لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم
أوتي جوامع الكلم وفَصْل الخطاب، رَسَم المنهج للولاة والرعاة، الذي إذا ساروا
عليه نجحوا في حياتهم وفي دنياهم وآخرتهم.
فينبغي للعبد أن يلتمس رضا الله ولو سَخِط عليه الناس، وليعلم أنهم وإن
سَخِطوا عليه فإنهم في العاقبة والمستقبل سيَرضَون عنه، وهذا شيء مجرب.
أما مَن حَرَص على رضا الناس ولو كان بمعصية الله عز وجل، وتَرَك ما أَمَر
الله به، أو فَعَل ما نهى الله عنه؛ كمن يترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من
أجل إرضاء الناس، أو يترك الدعوة إلى الله من أجل إرضاء الناس؛ حتى لا يقولوا عنه:
«هذا متشدد»، أو «هذا متسرع»، أو «متحجر»،
أو «هذا لا يُحْسِن الكلام»... إلى
آخره. فإنهم في عاقبة أمرهم لن يَرضَوا عنه، وسينقلب حامده ذامًّا ولو بعد حين.