فصاروا في التيه أربعين سنة، ومات موسى عليه السلام في التيه ودُفن هناك، ثم
مات هارون عليه السلام، ثم بعد أربعين سنة ظهر فيهم قائد محنَّك، يقال له: يوشع بن
نون، وهو فتى موسى عليه السلام، قادهم وفتح بهم بيت المقدس، وطردوا منه المشركين.
الحاصل: أنهم لما توكلوا على الله وتأدبوا، وذهب عنهم الترف والنعومة بعدما عاشوا
في الصحراء، وقويت أجسامهم؛ حينئذٍ قادهم هذا الرجل الصالح القوي، ففتح الله لهم،
وطردوا عدوهم، واستولَوا على بيت المقدس.
الشاهد من هذا: قول الله عز وجل: ﴿وَعَلَى ٱللَّهِ
فَتَوَكَّلُوٓاْ﴾ أي: قابِلوا هذا الخوف وهذا الرعب من عدوكم بالتوكل على
الله ﴿إِن كُنتُم مُّؤۡمِنِينَ﴾، قَدَّم الجارَّ
والمجرور، وهو قوله: ﴿وَعَلَى ٱللَّهِ
فَتَوَكَّلُوٓاْ﴾ ليفيد الحصر، أي: وعلى الله لا على غيره فتوكلوا ﴿إِن كُنتُم مُّؤۡمِنِينَ﴾، فدل على عظمة
التوكل، وأنه شرط في الإيمان، لا يصح الإيمان إلاَّ به.