وقوله: ﴿قَالَ
وَمَن يَقۡنَطُ مِن رَّحۡمَةِ رَبِّهِۦٓ إِلَّا ٱلضَّآلُّونَ﴾: القنوط: استبعاد
الفرج واليأس منه. وهو يقابل الأمن من مكر الله. وكلا الأمرين ذنب عظيم؛ لما في
القنوط من سوء الظن بالله.
وقوله: ﴿إِلَّا
ٱلضَّآلُّونَ﴾ أي: عن الهدى.
**********
قال: «وقوله: ﴿قَالَ
وَمَن يَقۡنَطُ مِن رَّحۡمَةِ رَبِّهِۦٓ﴾ » هذا استفهام إنكار من الله سبحانه وتعالى، وهو بمعنى
النفي، أي: لا أحد يقنط من رحمة ربه. ﴿إِلَّا ٱلضَّآلُّونَ﴾ أي: التائهون عن
الحق.
وهذه الجملة قالها إبراهيم عليه السلام لما جاءته الملائكة في صورة أضياف
يريدون إهلاك قوم لوط.
وكان إبراهيم عليه السلام كريمًا مِضيافًا، قال عز وجل: ﴿وَلَقَدۡ جَآءَتۡ
رُسُلُنَآ إِبۡرَٰهِيمَ بِٱلۡبُشۡرَىٰ قَالُواْ سَلَٰمٗاۖ قَالَ سَلَٰمٞۖ فَمَا
لَبِثَ أَن جَآءَ بِعِجۡلٍ حَنِيذٖ﴾ [هود: 69]، وفي آية أخرى: ﴿فَجَآءَ بِعِجۡلٖ سَمِينٖ﴾ [الذاريات: 26]،
وقَرَّبه إليهم، لكنهم لم يأكلوا لأنهم ملائكة، والملائكة لا يأكلون؛ فأوجس
إبراهيم عليه السلام في نفسه أن يكونوا أعداء، لكنهم طمأنوه وأخبروه بمهمتهم وأنهم
جاءوا لإهلاك هذه القرية.
وزادوه - أيضًا - بالبشرى بالولد، وكان لا يولد له فاستبعد ذلك، فقالوا له:
﴿فَلَا تَكُن مِّنَ ٱلۡقَٰنِطِينَ﴾ [الحجر: 55] فقال
عليه السلام: ﴿قَالَ وَمَن
يَقۡنَطُ مِن رَّحۡمَةِ رَبِّهِۦٓ إِلَّا ٱلضَّآلُّونَ﴾ هذا محل الشاهد،
أي: لا أحد يقنط من رحمة ربه إلاَّ الضالون عن الحق؛ لأن المؤمنين - وخاصة
الأنبياء - يعلمون من قدرة الله سبحانه وتعالى وفضله وإحسانه ما لا يعلمه غيرهم،
ويعلمون من قرب رحمته وفرجه ما لا يعلمه غيرهم.