وهذا ما عليه المحققون من أهل العلم، أنهم متى ما اتضح لهم الدليل أخذوه.
ولهذا يقول الإمام الشافعي رحمه الله: أجمع المسلمون على أنه من استبانت له
سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، لم يكن له أن يدعها.
هذا هو الذي عليه أهل العلم المحققون من الأئمة وأتباعهم، أنهم لا يتعصبون،
ولا يتبعون إلاَّ ما دل عليه الدليل.
والتعصب مذموم، وهو من خصال اليهود، قال عز وجل: ﴿وَإِذَا
قِيلَ لَهُمۡ ءَامِنُواْ بِمَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ قَالُواْ نُؤۡمِنُ بِمَآ أُنزِلَ
عَلَيۡنَا وَيَكۡفُرُونَ بِمَا وَرَآءَهُۥ وَهُوَ ٱلۡحَقُّ مُصَدِّقٗا لِّمَا
مَعَهُمۡۗ﴾ [البقرة: 91].
فمع أنهم لا يؤمنون بما أُنْزِل عليهم، يتعصبون له ولا يؤمنون بما أُنْزِل
على محمد صلى الله عليه وسلم، وما أُنْزِل عليهم فيه الإيمان بجميع الرسل، ولا
سيما خاتمهم محمد صلى الله عليه وسلم.
ولما مرَّ أحد رءوس الكفر في المدينة على نفر من أصحاب رسول الله صلى الله
عليه وسلم، من الأوس والخزرج، في مجلس قد جمعهم يتحدثون فيه؛ غاظه ما رأى من
جماعتهم وأُلفتهم وصلاح ذات بينهم على الإسلام، بعد الذي كان بينهم من العداوة في
الجاهلية؛ فقال: والله ما لنا معهم إذا اجتمع مَلَؤُهم بها من قرار!!
فأَمَر فتى شابًّا من اليهود، وقال له: اعْمِد إليهم فاجلس معهم، وذَكِّرهم
يوم بُعَاث، وما كان قبله، وأنشدهم بعض ما كانوا تقاولوا فيه من الأشعار. وكان يوم
بُعَاث يومًا اقتتلت فيه الأوس والخزرج، وكان الظفر فيه للأوس على الخزرج.