هَذَا مَعْنَى قَولُه:
﴿فَلَيَعۡلَمَنَّ
ٱللَّهُ﴾؛ يَعنِي: يَعلَمُ
عِلمَ ظُهُورٍ، وَإِلاَّ فَهُو يَعلَمُ سبحانه وتعالى قَبلَ ذَلِك، يَعلَمُ،
لَكِنّه لاَ يُعذِّبُ، إلاَّ عَلَى فِعلِ العَبدِ، أَو لاَ يُنعِمُ إِلاَّ عَلَى
فِعلِ العَبدِ، فَالثَّوَابُ وَالعِقَابُ مُعَلَّقَانِ بِفِعلِ العَبدِ، لاَ
بِعِلمِ اللهِ سبحانه وتعالى.
الحَاصِلُ:
أنَّ الفِتنَ سُنّةٌ مِن سُننِ اللهِ الكَوْنِيّةِ، وحِكمَتُها أنْ يَمِيزَ
الصَّادِقِينَ فِي إِيمَانِهم وقَولِهِم: «آمَنَّا»
مِن الكَاذِبِينَ، الّذِينَ لَهُم غَرَضٌ أوْ طَمَعٌ دُنيَوِيّ، وَلَيْسَ فِي
قُلُوبِهِم إِيمَانٌ صَادِقٌ، هؤُلاَء يَفتَرِقُونَ مِن أوَّلِ الطَّرِيقِ، وَلاَ
يَثبُتُ إلاَّ أَهلُ الإِيمَانِ الصَّادِقِ.
هذَا
مَعنَى الفِتَنِ، وهَذِه هِي الحِكمَةُ فِي إِجْرَائِهَا، وَأَنَّها سُنّةُ اللهِ
فِي خَلقِهِ الأوَّلِينَ وفِي الآخِرِينَ.
والفِتنُ
تَتَنوَّعُ وَتتَجَدَّدُ فِي كلِّ زَمانٍ بِحَسَبِه، فِي زَمَانِنَا هَذَا
الفِتَنُ كثِيرَةٌ، وَلاَ حَوْلَ ولاَ قُوّةَ إِلاَّ بِاللهِ!
والفِتَنُ
فِتَنُ شُبُهَاتٍ فِي العَقِيدَةِ، وَفِتنُ شَهَوَاتٍ فِي الدّنيَا
ومَلَذَّاتِهَا، وفِي السُّلُوكِ والأَخْلاَقِ شَهَوَات.
·
فَالفِتنُ
عَلَى قِسْمَيْن:
الأَوّلُ:
فِتَنُ الشُّبُهَاتِ - وَالعِيَاذُ بِاللهِ -، وَهَذِه أَشَدُّ.
وَالثَّانِي:
فِتَنُ الشَّهَوَاتِ، بَعضُ النَّاسِ يَمْشِ معَ شَهَوَاتِه؛ مِن الزِّنَا،
وَالسَّرِقَةِ، وشُربِ الخَمرِ، تُعْرَضُ عَليهِ الشَّهواتُ وَتَرُوجُ، يُيَسّرُ
الحصُولُ عَلَيهَا، فيُفتَنُ فِيهَا، بَينَمَا بَعضُ النَّاسِ يَعصِمُه اللهُ،
وَيَثبُتُ عَلَى دِينِه، وَيَصبِرُ عَلَى دِينِه، وَلاَ يَلتَفِتْ إِلَى الشَّهَوَاتِ؛
لِعِلمِه أنَّها زَائِلةٌ، وأنَّ