×
شرح كتاب الفتن والحوداث

وَفِي المُسنَدِ: عَن عُبَادَةَ رضي الله عنه أَنَّه قَالَ لِرَجلٍ مِن أَصْحَابِه: «يُوشِكُ أَنْ تَرَى الرَّجُلَ قَد قَرَأَ القُرآن عَلَى لِسَانِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم، فَأَعَادَهُ وَأَبْدَاهُ، فَأَحَلَّ حَلاَلَهُ، وَحَرَّمَ حَرَامَهُ، وَنَزَلَ عِنْدَ مَنَازِلِهِ، لاَ يَحُورُ فِيكُمْ إِلاَّ كَمَا يَحُورُ رَأْسُ الْحِمَارِ الْمَيِّتِ» ([1]).

****

فهُم يُبِيِّنونَ السّنَّةَ، إذَا جَهِلَها النَّاسُ، أَو تَسَاهَلُوا فِيهَا، يُبيِّنُونَها لِلنَّاسِ؛ يَعنِي: يَحتَفِظُون بِالسّنةِ.

الأَوزَاعِي أَحدُ الأَئِمةِ الكِبَارِ مِن أَهلِ الشَّامِ رحمه الله يُفسِّرُ هذِا الحَدِيثَ، فَيقولُ: الغُربَاءُ هُم الّذِينَ يَتمسَّكُونَ بِالسّنةِ، إِذَا ترَكَها النّاسُ، حتَّى وَلَو لَم يَكنْ فِي البَلدِ إِلاَّ وَاحدٌ، فهُو أَهلُ السّنةِ، وَهُو الغَرِيبُ، لاَ يقُولُ: أُرِيدُ أنْ أَصِيرَ مَعَ النّاسِ، ولَسْت مُنعَزِلاً عَنهُم. لاَ، اصبِرْ، تَمَسَّكْ بِالسّنةِ، وَاصْبِر، ولَو كُنتَ وَحدَكَ، فَأَنتَ الجمَاعَةُ، وَأَنتَ أَهلُ السّنَّةِ.

****

الّذِي يتمسَّك بِالسّنةِ فِي آخِرِ الزَّمانِ يُرخِّصُ عَلَى النّاسِ؛ مِثلَمَا رَخُصَ عَلَيهم رَأسُ الحِمَارِ الميِّت؛ مِن الزُّهدِ بِالسّنةِ وَأَهلِها.

لَكنَّ المُسلِمَ يَصبِرُ علَى هَذَا، يَصبِرُ عَلى الدِّينِ، يَصبِرُ عَلَى السّنةِ، وَلاَ يَنخَرِطُ مَعَ النّاسِ، أَو يَنظُرُ لِرِضَاهُم، إِنَّما يَتمَسَّك بِالسّنةِ النَّبَوِيةِ، وَسَيَلقَى مَشقَّةً، وَيَلقَى غُربَةً، ويَلقَى أَذًى، لَكِنْ يَصبِرُ عَلَى هذَا، وَلَو رَخُصَ عَلَى النَّاسِ، وَعيَّرُوه، وَسَبُّوه، وَوَصَفُوه بِالتَّشَدُّدِ، وَوَصَفُوه بِالتَّكفِيرِيِّ، وَوَصَفُوه بِأيِّ وَصفٍ، لاَ يَهُمُّه، مَا دَامَ أنَّه عَلَى السُّنَّةِ وعَلَى الحقِّ، لاَ يَهُمُّه كَلاَمُ النّاسِ، يَصبِرُ.

****


الشرح

([1])  أخرجه: أحمد رقم (17140).