ولِمسْلِمٍ عَنْ
سَعْدٍ رضي الله عنه: أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَقْبَلَ ذَاتَ
يَوْمٍ مِنَ الْعَالِيَةِ، حَتَّى إِذَا مَرَّ بِمَسْجِدِ بَنِي مُعَاوِيَةَ
دَخَلَ فَرَكَعَ فِيهِ رَكْعَتَيْنِ، وَصَلَّيْنَا مَعَهُ، وَدَعَا رَبَّهُ
طَوِيلاً، ثُمَّ انْصَرَفَ إِلَيْنَا، فَقَالَ صلى الله عليه وسلم: «سَأَلْتُ
رَبِّي ثَلاَثًا، فَأَعْطَانِي ثِنْتَيْنِ وَمَنَعَنِي وَاحِدَةً، سَأَلْتُ
رَبِّي: أَنْ لاَ يُهْلِكَ أُمَّتِي بِالسَّنَةِ فَأَعْطَانِيهَا، وَسَأَلْتُهُ
أَنْ لاَ يُهْلِكَ أُمَّتِي بِالْغَرَقِ فَأَعْطَانِيهَا، وَسَأَلْتُهُ أَنْ لاَ
يَجْعَلَ بَأْسَهُمْ بَيْنَهُمْ فَمَنَعَنِيهَا»([1]).
****
قَولُه رضي الله عنه: «أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم
أَقْبَلَ ذَاتَ يَوْمٍ مِنَ الْعَالِيَةِ»، العَالِيَةُ يَعنِي: فِي
المَدِينةِ.
قَولُه
صلى الله عليه وسلم: «أَنْ لاَ يُهْلِكَ أُمَّتِي بِالسَّنَةِ، فَأَعْطَانِيهَا»؛ يَعنِي:
بِالجَدبِ، بِجَدبِ العَامِ.
قَولُه
صلى الله عليه وسلم: «وَسَأَلْتُهُ: أَنْ لاَ يَجْعَلَ بَأْسَهُمْ بَيْنَهُمْ، فَمَنَعَنِيهَا»،
هَذِه الثَّالِثةُ الّتِي لَم يَستَجِبِ اللهُ جل وعلا لِرَسُولِه، وَهِي أَلاّ
يَحصُل فِي الأَمةِ فِتنَةٌ؛ يَقتُلُ بَعضُهم بَعضًا، وَيَسبِي بَعضُهم بَعضًا.
قَولُه
صلى الله عليه وسلم: «فَمَنَعَنِيهَا»؛
أنَّه سَيَحصُلُ فِتنَةٌ بَيْن النّاسِ، واقتِتَالٌ بَيْن المُسلِمِين، وَقَد
حَصَلَ هَذَا.
فهَذَا
فِيهِ تَجنُّبُ الفِتنِ مَهْمَا أَمكَنَ، الفِتنُ سَتَقَعُ، فَإِذَا وَقَعَت،
فَأَنتَ إِمّا تَسعَى بِالإِصلاَحِ، إنْ استَطَعتَ، وَكُفَّ المُسلِمِين بَعضَهم
عَن بَعضٍ،
هَذَا
وَاجِبٌ، إذَا لَم يَكُنْ لِلإِصلاَحِ مَجالٌ، أَنتَ تَجَنَّبِ الفِتنَةَ، لاَ
تَدخُلْ فِيهَا، اعْتَزِلْ الفِتَنَ، وهَذَا مِثلُ الحَدِيثِ السَّابِقِ، مِثلُه
تَمَامًا، «إِنَّ اللهَ زَوَى لِيَ الأَرْضَ»؛
مِثلُهُ تَمَامًا.
****
([1]) أخرجه: مسلم رقم (2890).
الصفحة 9 / 310