وَلَه عَن
أُسَامَةَ رضي الله عنه، قَالَ: أَشْرَفَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَلَى
أُطُمٍ مِنْ آطَامِ المَدِينَةِ، فَقَالَ: «هَلْ تَرَوْنَ مَا أَرَى؟ إِنِّي لَأَرَى
مَوَاقِعَ الفِتَنِ خِلاَلَ بُيُوتِكُمْ كَمَوَاقِعِ القَطْرِ» ([1]).
****
عنْدَ
ذَلِكَ يَحصُلُ الهَلاكُ علَى الجَمِيعِ - علَى الصَّالحِ وَالطّالحِ -؛
فيَهْلَكُون جَمِيعًا، ويهْلَكُ الصَّالِحُون مَعهُم.
لكنَّ
اللهَ يَبعَثُ الصَّالِحِين عَلَى نِيَّاتِهِم يَومَ القِيامَةِ - كمَا فِي
الحَدِيثِ ([2])-،
يَهلَكُونَ معَ الهَالِكِين، ولكنَّ اللهَ يَبعَثُهُم يَوْمَ القِيَامَةِ عَلَى
نِيَّاتِهِم.
فهَذَا
فِيهِ: التَّحذِيرُ مِن الفِتَنِ، وَمِنْهَا فِتنَةُ يَأجُوجَ
وَمَأجُوجَ.
وفِيهِ:
أنَّه إذَا كَثُرَ الشَّرُّ، فإنَّهُ مُؤذِنٌ بِحُصُولِ الهَلاَكِ عَلَى
الجَمِيعِ، وأنَّ الصَّالِحِين وَالمُصْلِحِين والعُلَمَاءَ علَيهِم أنْ يَقُومُوا
بمُقَاوَمَةِ المُنْكرَاتِ والشرُورِ، وَلاَ يَسْتَسْلِمُوا؛ فإذَا اسْتَسْلَمُوا،
وَتَرَكُوا الإنْكَارَ، جَاءَتِ العُقُوبَةُ عَلَى الجَمِيعِ.
****
النَّبيُّ
صلى الله عليه وسلم لَه مُعجِزَاتٌ، وَمِن ذَلِكَ هَذِه المُعجِزَةُ: «أَشْرَفَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم
عَلَى أُطُمٍ»؛ يَعنِي: عَلَى قَصْرٍ مُرتَفعٍ مِن آطَامِ المَدِينَةِ،
كانَتْ فِيهَا آطَامٌ، وَهِي أبْرَاجٌ قَوِيّةٌ؛ يَرقُبُون فِيهَا أحوَالَ
العَدُوِّ، يَصعَدُون عَلَيهَا، ويَرتَفِعُونَ عَلَيْهَا؛ يَنظُرُونَ العَدُوَّ
المُقبِلَ علَيهِم.
صَعدَ صلى الله عليه وسلم عَلَى وَاحدٍ مِنْهَا، فَقَال: «هَلْ تَرَوْنَ مَا أَرَى؟»، قَالُوا: لاَ. لأَِنَّهُم لاَ يَرَوْنَ مَا يَرَاهُ الرَّسُولُ صلى الله عليه وسلم، هَذاَ مِن خَصَائِصِه ومُعجِزَاتِه، وَهَذَا مِن بَابِ التَّحذِيرِ لِلأمَّةِ.
([1]) أخرجه: البخاري رقم (1878)، ومسلم رقم (2885).