×
محاضرات في العقيدة والدعوة الجزء الأول

فِي القَلْب فهُوَ المُنَافق، ومَنْ قَالَها بلسانِهِ وَعَمل بخِلاَفِهَا من الشِّرْك المُنَافي لمَدْلولها فهُوَ الكَافرُ ولَوْ قَالَها مرارًا وتكرارًا، كَحَال عُبَّاد القُبُور اليوم الَّذِينَ يَنْطقُون بهَذِهِ الكَلمَة ولاَ يَفْقَهون مَعْناها وَلاَ يَكُونُ لَها أَثرٌ فِي تَعْديل سُلُوكهم، وتَصْحيح أعْمَالِهِم فَتَراه يَقُول: لاَ إلَهَ إِلاَّ اللهُ، ثُمَّ يَقُول: المَدَد يا عَبْد القَادر، يا بَدَوي، يا فُلاَن يا فُلاَن، يَسْتَنْجد بالأَمْوَات ويَسْتَغيث بِهِم فِي المُلمَّات.

إِنَّ المُشْركينَ الأَوَّلين عَرَفوا من مَعْنى هَذِهِ الكَلمَة ما لَمْ يَعْرفه هَؤُلاَء، حَيْث أَدْرَكوا أَنَّ الرَّسُول صلى الله عليه وسلم حينما قَالَ لهم: «قُولُوا: لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ» ([1]). فقَدْ طَلَب منهم تَرْك عِبَادَة الأصْنَام وأَرَاد منهم عِبَادَة الله وَحْده، ولهَذَا قَالُوا: ﴿أَجَعَلَ ٱلۡأٓلِهَةَ إِلَٰهٗا وَٰحِدًاۖ [ص: 5] وقَالَ قَوْمُ هودٍ: ﴿لِنَعۡبُدَ ٱللَّهَ وَحۡدَهُۥ وَنَذَرَ مَا كَانَ يَعۡبُدُ ءَابَآؤُنَا [الأعراف: 70].

وقَالَ قَوْم صَالِحٍ لَه: ﴿أَتَنۡهَىٰنَآ أَن نَّعۡبُدَ مَا يَعۡبُدُ ءَابَآؤُنَا [هود: 62].

وقَالَ قَوْم نوحٍ لَه من قَبْل: ﴿وَقَالُواْ لَا تَذَرُنَّ ءَالِهَتَكُمۡ وَلَا تَذَرُنَّ وَدّٗا وَلَا سُوَاعٗا وَلَا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسۡرٗا [نوح: 23].

هَذَا ما فَهِمَهُ الكُفَّار من مَعْنى: لاَ إلَهَ إِلاَّ الله؛ أَنَّهُ تَرْكٌ لعِبَادَة الأَصْنَام، وإقْبَالٌ عَلَى عِبَادَة الله وَحْده، فلهَذَا أَبَوا النُّطْق بها؛ لأَنَّهُ لا يَجْتَمع مع عِبَادَة اللاَّت والعُزَّى ومَنَاة، وعُبَّاد القُبُور اليَوْم لا يُدْركون هَذَا التَّناقض، فهُمْ يَنْطقون بِهَا مَعَ بَقَائهم عَلَى عِبَادَةِ الأمْوَات، وبَعْضهم يُفسِّر الإلَهَ بأَنَّهُ القَادر عَلَى الاخْتِرَاع والخَلْق والإيجَاد فيَكُون مَعْنى (لاَ إلَهَ إِلاَّ الله) عِنْدَه: لا قَادرَ عَلَى الاخْتِرَاعِ إِلاَّ الله، وهَذَا من أفْحَش


الشرح

([1])  أخرجه: الترمذي رقم (3232)، وأحمد رقم (2008).