قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما: كَانَ
بَيْن نُوحٍ وآدَمَ -عَلَيْهما الصَّلاَة والسَّلاَم- عَشَرة قُرُونٍ كُلُّهم
عَلَى شَريعَة مِنَ الحَقِّ. قَالَ العَلاَّمة ابْنُ القيِّم: هَذَا هُوَ القَوْل
الصَّحيح فِي الآيَة. وَذَكَر مَا يُعضِّده من القُرْآن.
وصَحَّحه
أيضًا الحَافظ ابْنُ كَثِيرٍ فِي تَفْسيرِهِ. وأَوَّل مَا حَدَث الشِّرْك فِي
قَوْم نُوحٍ حينَ غَلَوْا فِي الصَّالِحِين وَاسْتَكْبروا عن دَعْوَة نَبيِّهم: ﴿وَقَالُواْ لَا
تَذَرُنَّ ءَالِهَتَكُمۡ وَلَا تَذَرُنَّ وَدّٗا وَلَا سُوَاعٗا وَلَا يَغُوثَ
وَيَعُوقَ وَنَسۡرٗا﴾ [نوح: 23].
قَالَ
البُخَارِي رحمه الله فِي «صَحيحِهِ»
عَن ابْن عَبَّاسٍ رضي الله عنهما: «هَذِهِ
أَسْمَاءُ رِجَالٍ صَالِحِينَ مِنْ قَوْمِ نُوحٍ، فَلَمَّا هَلَكُوا أَوْحَى
الشَّيْطَانُ إِلَى قَوْمِهِمْ: أَنِ انْصِبُوا إِلَى مَجَالِسِهِمُ الَّتِي
كَانُوا يَجْلِسُونَ أَنْصَابًا وَسَمُّوهَا بِأَسْمَائِهِمْ، فَفَعَلُوا، فَلَمْ
تُعْبَدْ، حَتَّى إِذَا هَلَكَ أُولَئِكَ، وَتَنَسَّخَ الْعِلْمُ عُبِدَتْ» ([1])!
قَالَ
الإمَامُ ابْن القَيِّم رحمه الله: قَالَ غَيْر وَاحِدٍ من السَّلَف: لمَّا
مَاتُوا عَكَفوا عَلَى قُبُورِهم، ثُمَّ صَوَّروا تَمَاثيلَهم، ثُمَّ طَال
عَلَيْهم الأَمَد فَعَبَدُوهم.
ثُمَّ قَالَ رحمه الله: وقَدْ تَلاَعب الشَّيْطانُ بالمُشْركينَ فِي عِبَادَة الأصْنَام بكُلِّ قَوْم عَلَى قَدْر عُقُولِهم، فَطَائفةٌ دَعَاهم إِلَى عِبَادتها من جِهَةِ تَعْظيم المَوْتَى الَّذِينَ صَوَّروا تِلْكَ الأصْنَام عَلَى صُوَرهم، كَمَا فِي قَوْم نُوحٍ، وهَذَا السَّببُ هُوَ الغَالبُ عَلَى عَوامِّ المُشْركين، وأَمَّا خَواصُّهم فَاتَّخَذوا الأصْنَام عَلَى صُوَر الكَوَاكب المُؤثِّرة فِي العَالَم بزَعْمِهِم، وَجَعَلوا لهُمْ بُيُوتًا وَسَدَنةً وَحجابًا وقُرْبانًا، ولَمْ يَزَل هَذَا فِي الدُّنْيا قَديمًا وَحَديثًا، وَأَصْلُ هَذَا المَذْهب من مُشْركي الصَّابئَة، وهُمْ قَوْم إبْرَاهيمَ عليه السلام الَّذِينَ نَاظَرَهم فِي بُطْلان الشِّرْك، وكَسْر حُجَّتهم بعِلْمِهِ وآلِهَتِهِم بيَدِهِ، فَطَلبوا تَحْريقه.
([1]) أخرجه: البخاري رقم (4920).