وَطَائفةٌ أُخْرى اتَّخَذت للقَمَر صنمًا،
وَزَعَموا أَنَّهُ يَسْتحقُّ العبَادَة وإلَيْه تَدْبير هَذَا العَالَم السُّفْلي،
وَطَائفةٌ تَعْبد النَّارَ وهُمُ المَجُوسُ فيَبْنُون لهُمْ بُيُوتًا كَثيرةً،
ويَتَّخذُون لَهَا الوُقُوف والسَّدَنة والحُجَّاب، فَلاَ يَدَعُونها تَخْمد
لَحْظةً وَاحدةً.
وطَائفَةٌ
تَعْبد المَاءَ، تَزْعم أَنَّ المَاءَ أَصْل كُلِّ شيءٍ، وَبه كُلُّ وِلاَدَةٍ
ونُموٍّ ونُشُوء وطَهَارة وعِمَارَة.
وَطَائفَةٌ
تَعْبُدُ الحَيَوانَات، فَطَائفةٌ عَبَدت الخَيْلَ، وَطَائفةٌ عَبَدت البَقَر،
وَطَائفةٌ عَبَدت البَشَرَ الأَحْيَاء والأَمْوَات، وَطَائفةٌ تَعْبد الجنَّ،
وَطَائفةٌ تَعْبد الشَّجَر، وَطَائفةٌ تَعْبد المَلاَئكةَ. انْتهَى كَلاَمُ ابْن
القَيِّم رحمه الله.
وَمِنَ
الأَثَر الَّذِي مَرَّ من رِوَاية البُخَاري عَن ابْن عَبَّاسٍ فِي بَيَان سَبَب
حُدُوث الشِّرْك فِي قَوْم نوحٍ:
نُدْرك
أَوَّلاً: خُطُورة تَعْليق الصُّور عَلَى الجُدْرَان، ونَصْب
التَّمَاثيل فِي المَجَالس والمَيَادين، وأنَّ ذَلِكَ يَؤُول بالنَّاس إِلَى
الشِّرْك بحَيْث يَتَطوَّر تَعْظيم تِلْكَ الصُّوَر والتَّمَاثيل إِلَى عِبَادَتها
واعْتقَاد جَلْب الخَيْر ودَفْع الشَّرِّ، كَمَا حَدَثَ لقَوْم نوحٍ.
وَنُدْرك
ثَانيًا: مَدَى حِرْصِ الشَّيْطان عَلَى إضْلاَل بَني آدَمَ
ومَكْره بِهِمْ، وأَنَّهُ قَدْ يَأْتِيهِم من نَاحيَة اسْتغلاَل العَوَاطف ودَعْوى
التَّرْغيب فِي الخَيْر، فإِنَّهُ لمَّا رَأَى فِي قَوْم نوحٍ وُلُوعَهم
بالصَّالِحِين ومَحبَّتهم لهُمْ، دَعَاهم إِلَى الغُلوِّ فِي هَذِهِ المحبَّة
بحَيْث أَمَرَهم بنَصْب صُوَرهم عَلَى المَجَالس، وَهَدَفه من هَذَا الخُرُوج
بِهِمْ عَن جَادَّة الصَّوَاب.
وَنُدْرك ثَالثًا: أَنَّ الشَّيْطانَ لاَ يقصر نَظَره عَلَى إغْوَاء
الأَجْيَال الحَاضرَة، بَلْ يَمتدُّ إِلَى الأجْيَال المُسْتقبلَة، فإِنَّهُ لمَّا
لَمْ يَتمكَّن من إيقَاع