ولهَذَا لمَّا طَلَب النَّبِيُّ صلى الله عليه
وسلم من المُشْركينَ أَنْ يَقُولُوهَا امْتَنعوا وَقَالُوا: ﴿أَجَعَلَ ٱلۡأٓلِهَةَ
إِلَٰهٗا وَٰحِدًاۖ إِنَّ هَٰذَا لَشَيۡءٌ عُجَابٞ﴾
[ص: 5]؛ لعِلْمِهِم أَنَّ مَنْ قَالَها فَقَد اعْتَرَف ببُطْلان عِبَادَة كُلِّ
مَا سِوَى الله، وَأَثْبتَ العِبَادَة لله وَحْده، فَإِنَّ الإلَهَ مَعْناه
المَعْبود، وَالعِبَادَةُ: اسْمٌ جَامعٌ لكُلِّ مَا يحبُّهُ الله ويَرْضاه مِنَ
الأعْمَال والأَقْوَال الظَّاهرَة وَالبَاطنَة، فَمَن نَطَق بهَذِهِ الكَلمَة
وَهُوَ مع هَذَا يَدْعو غَيْر الله فقَدْ تَناقَض مع نَفْسه، والعَلاَقة بين
تَوْحِيد الرُّبُوبية وتَوْحيد الإلَهيَّة هِيَ التَّلاَزُم، بمَعْنى: أَنَّ
الإقْرَار بتَوْحيد الرُّبُوبيَّة يُوجب الإقْرَارَ بتَوْحيد الإلهيَّة، وَالقيَام
به ظَاهرًا وَباطنًا؛ ولهَذَا كَانَ الرُّسُلُ صَلَواتُ الله وَسلامُهُ عَلَيْهم
أَجْمَعين يُطَالبُون أُمَمَهم بذَلِكَ، ويَحْتجُّون عَلَيْهم بما يَعْتَرفون به
من تَوْحِيد الرُّبُوبيَّة، كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿ذَٰلِكُمُ ٱللَّهُ رَبُّكُمۡۖ لَآ إِلَٰهَ إِلَّا هُوَۖ
خَٰلِقُ كُلِّ شَيۡءٖ فَٱعۡبُدُوهُۚ وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٖ وَكِيلٞ﴾ [الأنعام: 102]. ﴿وَلَئِن سَأَلۡتَهُم مَّنۡ خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضَ
لَيَقُولُنَّ ٱللَّهُۚ قُلۡ أَفَرَءَيۡتُم مَّا تَدۡعُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ إِنۡ
أَرَادَنِيَ ٱللَّهُ بِضُرٍّ هَلۡ هُنَّ كَٰشِفَٰتُ ضُرِّهِۦٓ أَوۡ أَرَادَنِي
بِرَحۡمَةٍ هَلۡ هُنَّ مُمۡسِكَٰتُ رَحۡمَتِهِۦۚ قُلۡ حَسۡبِيَ ٱللَّهُۖ عَلَيۡهِ
يَتَوَكَّلُ ٱلۡمُتَوَكِّلُونَ﴾
[الزمر: 38].
فَالإقْرَار
بتَوْحيد الرُّبُوبيَّة مَرْكوزٌ فِي الفِطَرِ، لا يَكَاد يُنَازع فيه أَحَدُ
المُشْركينَ، ولَمْ يُعْرف عن أَحَدٍ من طَوَائف العِلْمِ إنْكَار هَذَا النَّوع
إِلاَّ الدَّهريَّة الَّذِينَ يَجْحَدون الخَالقَ، ويَزْعُمُون أَنَّ العَالمَ
يَسير بنَفْسه من غَيْر مُدبِّر له، كَمَا قَالَ الله عَنْهم: ﴿وَقَالُواْ مَا
هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا ٱلدُّنۡيَا نَمُوتُ وَنَحۡيَا وَمَا يُهۡلِكُنَآ إِلَّا ٱلدَّهۡرُۚ﴾ [الجاثية: 24].
فَردَّ
الله عَلَيْهم بقَوْله: ﴿وَمَا
لَهُم بِذَٰلِكَ مِنۡ عِلۡمٍۖ إِنۡ هُمۡ إِلَّا يَظُنُّونَ﴾ [الجاثية: 24].