فهُمْ لَمْ يَبْنوا إنْكَارَهم هَذَا عَلَى
بُرْهان دَلَّهم عَلَيْه، بَلْ عَلَى مُجرَّد ظنٍّ، والظَّنُّ لا يُغْني عن الحقِّ
شيئًا، كَمَا لَمْ يَسْتَطيعوا الإجَابَة عن قَوْله تَعَالَى: ﴿أَمۡ خُلِقُواْ
مِنۡ غَيۡرِ شَيۡءٍ أَمۡ هُمُ ٱلۡخَٰلِقُونَ ٣٥أَمۡ خَلَقُواْ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضَۚ
بَل لَّا يُوقِنُونَ ٣٦﴾
[الطور: 35 – 36].
وَلاَ
عَنْ قَوْله تَعَالَى: ﴿هَٰذَا
خَلۡقُ ٱللَّهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ ٱلَّذِينَ مِن دُونِهِۦۚ﴾ [لقمان: 11].
﴿قُلۡ أَرَءَيۡتُم مَّا تَدۡعُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ
أَرُونِي مَاذَا خَلَقُواْ مِنَ ٱلۡأَرۡضِ أَمۡ لَهُمۡ شِرۡكٞ فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِۖ﴾ [الأحقاف: 4].
ومَنْ
تَظَاهَر بجَحْد هَذَا النَّوْع من التَّوْحِيد كفِرْعَون، فهُوَ مُقرٌّ به فِي
البَاطِنِ كَمَا قَالَ اللهُ تَعَالَى عَنْه: ﴿قَالَ لَقَدۡ عَلِمۡتَ مَآ أَنزَلَ هَٰٓؤُلَآءِ إِلَّا
رَبُّ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ﴾
[الإسراء: 102].
وقَالَ
عَنْه وعَنْ قَوْمه: ﴿وَجَحَدُواْ
بِهَا وَٱسۡتَيۡقَنَتۡهَآ أَنفُسُهُمۡ ظُلۡمٗا وَعُلُوّٗاۚ﴾ [النمل: 14].
وقَالَ
تَعَالَى عَن الأُمَم الأُولَى: ﴿وَعَادٗا وَثَمُودَاْ وَقَد تَّبَيَّنَ لَكُم مِّن
مَّسَٰكِنِهِمۡۖ وَزَيَّنَ لَهُمُ ٱلشَّيۡطَٰنُ أَعۡمَٰلَهُمۡ فَصَدَّهُمۡ عَنِ ٱلسَّبِيلِ
وَكَانُواْ مُسۡتَبۡصِرِينَ﴾
[العنكبوت: 38].
وهَذَا
النَّوْع من التَّوْحِيد، كَمَا لَمْ يَذْهب إِلَى جَحْده طَائفةٌ مَعْروفةٌ من
بَني آدَمَ، كذَلِكَ فِي الغَالب لَمْ يَقع فِيهِ شِرْكٌ، فالكُلُّ مُقِرُّون
بأَنَّ اللهَ هُوَ المُنْفرد بالخَلْق والتَّدْبير، ولَمْ يَثْبت عَنْ أَحَد من
طَوَائف العَالَم إثْبَات خَالِقِين مُتَسَاويين فِي الصِّفَات والأَفْعَال،
فالثَّنويَّة من المَجُوس الَّذِينَ يَجْعَلون للعَالَم خَالِقَيْن – خَالقًا للخَيْر، وَهُوَ النُّور،
وَخالقًا للشَّرِّ وَهُوَ الظُّلْمَة –
لا يُسَوُّون الظُّلْمَة بالنُّور، فالنُّورُ عِنْدَهم هُوَ الأَصْلُ والظُّلْمة
حَادثَةٌ، وهُمْ مُتَّفقُون عَلَى أَنَّ النُّورَ خيرٌ من الظُّلْمة.