×
محاضرات في العقيدة والدعوة الجزء الأول

وكذَلِكَ النَّصَارى القَائلُون بالتَّثْليث لَمْ يُثْبتوا للعَالَم ثَلاَثة أرْبَاب مُنْفَصل بَعْضهم عَنْ بَعْضٍ، بَلْ هُمْ مُتَّفقونَ عَلَى أنَّ خَالقَ العَالَم وَاحدٌ، ويَقُولُون: إِنَّ الأبَ هُوَ الإلَهُ الأكبـرُ.

وَالحَاصلُ: أنَّ إثْباتَ تَوْحِيد الرُّبُوبيَّة مَحلُّ وِفَاقٍ والشِّرْك فيه قَليلٌ، وَلَكن الإقْرَار به وَحْدَه لا يَكْفي العَبْد فِي حُصُول الإسْلاَم، بل لا بُدَّ مع ذَلِكَ أَنْ يَأْتِيَ بلاَزمِهِ وَهُوَ تَوْحِيدُ الإلَهيَّة، فإِنَّ الأُمَم الكُفريَّة كَانَت تُقرُّ بتوحيد الرُّبُوبيَّة، خصوصًا مُشْركي العَرَب الَّذِينَ بُعِثَ فيهم خَاتَم الرُّسُل صلى الله عليه وسلم ولم يَكُونوا بهَذَا مُسْلمين لَمَّا لَمْ يَأْتوا بتَوْحيد الإلَهيَّة، والمُسْتَقرئ لآيَات القُرْآن الكَريم يَجِد أَنَّها تُطَالب بتَوْحيد الإلَهيَّة، وتَسْتَدل عَلَيْه بتَوْحيد الرُّبُوبيَّة، فَهي تُطَالب المُشْركين بما جَحَدوه، وتَسْتدل عَلَيْه بمَا أَثْبَتوه، فَهِيَ تَأْمُرُهم بتَوْحيد العِبَادَةِ، وَتُخْبر عَن إقْرَارهم بتَوْحيد الرُّبُوبيَّة، فتذكر تَوْحِيد العِبَادَة فِي سِيَاقِ الطَّلَب، وتَوْحيد الرُّبُوبيَّة فِي سِيَاقِ الخَبَر.

وَأَوَّل أَمْرٍ جَاءَ فِي المُصْحف فِي قَوْله تَعَالَى: ﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلنَّاسُ ٱعۡبُدُواْ رَبَّكُمُ ٱلَّذِي خَلَقَكُمۡ وَٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِكُمۡ لَعَلَّكُمۡ تَتَّقُونَ ٢١ٱلَّذِي جَعَلَ لَكُمُ ٱلۡأَرۡضَ فِرَٰشٗا وَٱلسَّمَآءَ بِنَآءٗ وَأَنزَلَ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءٗ فَأَخۡرَجَ بِهِۦ مِنَ ٱلثَّمَرَٰتِ رِزۡقٗا لَّكُمۡۖ فَلَا تَجۡعَلُواْ لِلَّهِ أَندَادٗا وَأَنتُمۡ تَعۡلَمُونَ ٢٢ [البقرة: 21 22].

وَكَثيرًا ما نَجِدُ فِي القُرْآن الكَريم الدَّعْوَة إِلَى تَوْحِيد العِبَادَة والأَمْر به والجَوَاب عن الشُّبَه المُوجَّهة إليه، وكُلُّ سُورَة فِي القُرْآن، بل كُلُّ آيةٍ فِي القُرْآن فَهِيَ دَاعيةٌ إِلَى هَذَا التَّوْحِيد؛ لأَنَّ القُرْآن إمَّا خَبَرٌ عن الله وأسمائِهِ وصفاتِهِ وأفعالِهِ، وهَذَا هو تَوْحِيد الرُّبُوبيَّة؛ وإمَّا دُعَاء إِلَى عبادتِهِ وَحْده لا شَريكَ له وتَرْك ما يُعْبد من دُونِهِ، وهَذَا هو تَوْحِيدُ الإِلَهيَّة؛ وإمَّا خَبَر


الشرح