وَسَدًّا لمَنَافِذِ الشِّرْك، وَإبْعَادًا
للأُْمَّة عَنْ أَنْ تَقَعَ فيمَا وَقَعَتْ فيه الأُمَمُ قبْلَهَا منْ فَسَادِ العَقَائد،
وَقَدْ سَارَ صَدْرُ هَذه الأُمَّة عَلَى مُوجَب تِلْكَ الوَصَايَا النَّبَويَّة،
وَحَافَظُوا عَلَى عَقَائدهمْ، وَصَانُوهَا عَنْ كُلِّ مُنَاقضٍ وَمُنَقِّصٍ.
وَلَمَّا
انْتَهَى وَقْتُ القُرُون المُفَضَّلَة، وَامْتَدَّ الزَّمَنُ بالنَّاس، وَجَهِلَ
أَغْلَبُهُمْ آثَارَ الرِّسَالَة، تَسَرَّبَ إلَيْهمْ كَثيرٌ مِنَ البِدَعِ
وَالخُرَافَات وَالعَوَائد للْجَاهليَّة في عَقَائِدِهمْ، وَوَقَعَ الكَثيرُ فيمَا
حَذَّرَ مِنْهُ الرَّسُولُ صلى الله عليه وسلم مِنَ الشِّرْك باللَّه، وَفَتْحِ
المَنَافذ وَالطُّرُق المُوَصِّلَة إلَيْه، فَبُنيَت المَسَاجدُ عَلَى القُبُور،
وَاتَّجَهَ إلَيْهَا الكَثيرُ بأَنْوَاع العبَادَة، كَالطَّوَاف بهَا، وَالذَّبْح
لَهَا، وَالتَّوَجُّه إلَيْهَا بالرَّغْبَة وَالرَّهْبَة وَالدُّعَاء
وَالاسْتغَاثَة وَأَنْوَاع منَ الشِّرْك الأَكْبَر الَّذي يُسَمُّونَهُ تَوَسُّلاً
وَطَلَبًا للشَّفَاعَة، كَمَا قَالَ إخْوَانُهُمْ منْ قَبْل: ﴿مَا
نَعۡبُدُهُمۡ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَآ إِلَى ٱللَّهِ﴾
[الزمر: 3]،﴿وَيَقُولُونَ
هَٰٓؤُلَآءِ شُفَعَٰٓؤُنَا﴾
[يونس: 18].
قَالَ
الإمَامُ العَلاَّمَة ابْنُ القَيِّم رحمه الله: «وَمَنْ جَمَعَ بَيْنَ سُنَّةِ
رَسُول اللَّه صلى الله عليه وسلم في القُبُور، وَمَا أَمَرَ به وَنَهَى عَنْهُ،
وَمَا كَانَ عَلَيْه أَصْحَابُهُ وَبَيْنَ مَا عَلَيْه أَكْثَرُ النَّاس اليَوْمَ،
رَأَى أَحَدَهُمَا مضَادًّا للآْخَر، مُنَاقضًا لَهُ بحَيْثُ لاَ يَجْتَمعَان
أَبَدًا.
فَنَهَى
رَسُولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم عَنِ الصَّلاَة إلَى القُبُور، وَهَؤُلاَء
يَصَلُّونَ عنْدَهَا وَإلَيْهَا.
وَنَهَى
عَنِ اتِّخَاذهَا مَسَاجدَ، وَهَؤُلاَء يَبْنُونَ عَلَيْهَا المَسَاجدَ
وَيَسمُّونَهَا مَشَاهدَ مُضَاهَاةً لبُيُوت اللَّه.
وَنَهَى
عَنِ إيقَاد السُّرُج عَلَيْهَا، وَهَؤُلاَء يُوقفُونَ الوُقُوفَ عَلَى إيقَاد
القَنَاديل عَلَيْهَا.