أَمَرَ به رَسُولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم
مُحَادُون لِمَا جَاءَ به، وَأَعْظَمُ ذَلكَ اتِّخَاذهَا مَسَاجدَ، وَإيقَاد
السُّرُج عَلَيْهَا، وَهُوَ منَ الكَبَائر». انْتَهَى كَلاَمُ ابْن القَيِّم رحمه
الله.
وَهُوَ
يَصِفُ مَا حَدَثَ في وَقْتِهِ، وَقَدْ زَادَ الأَمْرُ عَلَى مَا وَصَفَهُ
بأَضْعَافٍ، فَغَلَوا فِي المَوْتَى، فَعَبَدُوهُمْ منْ دُون اللَّه، وَكَذَلكَ
ارْتَكَبُوا مَا نَهَى عَنْهُ صلى الله عليه وسلم منَ الغُلُوِّ فِي مَدْحه
وَإطْرَائه؛ مُضَاهَاةً للنَّصَارَى فِي مَدْح عيسَى ابْن مَرْيَمَ حَتَّى
رَفَعُوهُ فَوْقَ مَنْزلَتِهِ حَتَّى وَقَعُوا فِي الشِّرْك الأَكْبَر، وَأَظْهَرَ
لَهُمُ الشَّيْطَانُ هَذَا الغُلُوَّ فِي قَالَب تَعْظيمِهِ وَمَحَبَّتِهِ، وَأَنَّ
عَدَمَ الغُلُوِّ فيه تَنْقيصٌ لَهُ، وَحَطٌّ منْ قَدْره.
كَذَلكَ
غَلَوْا فِي الصَّالحينَ، كَمَا غَلاَ فيهمْ قَوْمُ نُوحٍ منْ قَبْل حَتَّى
اعْتَقَدُوا فِيهِمْ شَيْئًا منْ خَصَائصِ الإلَهيَّة مِنْ جَلْب النَّفْع،
وَدَفْع الضُّرِّ ممَّا لاَ يَقْدرُ عَلَيْه إلاَّ اللَّهُ تَعَالَى، فَهَتَفُوا
بأَسْمَائهم عِنْدَ الشَّدَائد وَالكُرُبَات، وَاسْتَغَاثُوا بِهِمْ فِي كَشْف
المُلمَّات، وَطَافُوا بقُبُورهمْ كَمَا يُطَافُ بالكَعْبَة، وَذَبَحُوا
القَرَابينَ عنْدَ قُبُورهمْ، وَصَرَفُوا لَهُمُ النُّذُورَ.
قَالَ الإمَامُ العَلاَّمَة ابْنُ القَيِّم: «وَقَدْ أَدْخَلَ الشَّيْطَانُ الشِّرْك عَلَى قَوْم نُوحٍ منْ بَاب
الغُلُوِّ فِي الصَّالحينَ، وَقَدْ وَقَعَ فِي هَذه الأُمَّة مَا وَقَعَ لقَوْم
نُوحٍ لمَّا أَظْهَرَ الشَّيْطَانُ لكَثيرٍ مِنَ المَفْتُونينَ الغُلُوَّ
وَالبدَعَ فِي قَالَب تَعْظيم الصَّالِحِينَ وَمَحَبَّتِهِمْ؛ ليُوقعَهُمْ فِيمَا
هُوَ أَعْظَمُ منْ ذَلكَ منْ عِبَادَتهمْ لَهُمْ مِنْ دُون اللَّهِ، فَمَا زَالَ
يُوحِي إلَى عُبَّادِ القُبُور وَيُلْقي إلَيْهِمْ أَنَّ البنَاءَ وَالعُكُوفَ
عَلَيْهَا مِنْ مَحَبَّة أَهْل القُبُور مِنَ الأَنْبِيَاءِ وَالصَّالِحِينَ،
وَأَنَّ الدُّعَاءَ عِنْدَهَا مُسْتَجَابٌ، ثُمَّ يَنْقُلُهُمْ مِنْ هَذِهِ
المَرْتَبَة إلَى الدُّعَاء بِهَا، وَالإِقْسَام عَلَى اللَّهِ بِهَا، فَإذَا
تَقَرَّرَ ذَلكَ عنْدَهُمْ نَقَلَهمْ منْهُ إلَى دُعَاء