والنوع الثالث من أنواع
التَّوْحِيد: تَوْحِيد الأسماء والصفات.
وَهُوَ
الإيمَانُ بمَا وَصَفَ اللهُ به نَفْسه، أَوْ وَصَفه به رَسُوله صلى الله عليه
وسلم وإثْبَات ذَلِكَ عَلَى وَجْهٍ يَليق بجَلاَله من غَيْر تَكْييفٍ وَلاَ
تَمْثيلٍ، وَمن غَيْر تَحْريف ولا تَعْطيل، هُوَ الَّذِي عَلَيْه أَهْل السُّنَّة
والجَمَاعَة قَاطبةً، وَمَا تَدين به الفِرْقة النَّاجيَة، وأنْكَره الجَهْمية
وتَلاَميذهم؛ مُخَالفين بذَلِكَ كتابَ الله وسُنَّة رَسُوله صلى الله عليه وسلم،
وما عَلَيْه سَلَف الأُمَّة وأَئمَّتها، فَنَفوا عن الله ما وَصَفَ به نَفْسه من
صِفَاتِ الكَمَال، وما وَصَفه به رسولُهُ صلى الله عليه وسلم زَاعِمِين أنَّ
إثباتَ ذَلِكَ يَقْتضي التَّشْبيه؛ لأَنَّهُمْ لا يَفْهمون من صِفَاتِ الله إِلاَّ
ما يَفْهَمون من صِفَاتِ البَشر، فَشَبَّهوا أوَّلاً ثُمَّ عَطَّلوا ثانيًا، ولَمْ
يُدْركوا الفَارقَ بين صِفَاتِ الخَالق وصِفَاتِ المَخْلوقين، وأنَّ للهَ صِفَاتٍ
تَختصُّ به وَتَليق بجَلاَله، كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿وَلِلَّهِ ٱلۡأَسۡمَآءُ ٱلۡحُسۡنَىٰ فَٱدۡعُوهُ بِهَاۖ﴾ [الأعراف: 180]، وَكَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿لَيۡسَ
كَمِثۡلِهِۦ شَيۡءٞۖ وَهُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلۡبَصِيرُ﴾
[الشورى: 11].
فأَثْبَت
لنَفْسه الصِّفَات ونَفَى عَنْه مُشَابهة المَخْلوقات، فدلَّ عَلَى أنَّ إثْبَات
الصِّفَات لا يَقْتضي التَّشبيه، كَمَا زَعَمه الجَهْمية وأفْرَاخهم من المُعطِّلة
ممَّن لَمْ يُقدِّروا اللهَ حقَّ قَدْره، تَعَالَى اللهُ عَمَّا يَقُولُون علوًّا
كبيرًا، وسُبْحان الله عَمَّا يَصفُون.
هَذِهِ أنواعُ التَّوْحِيد الثَّلاَثة، وَعَلاقة بَعْضها ببَعْض: أنَّ تَوْحِيد الرُّبُوبيَّة مُسْتلزم لتَوْحيد الأُلُوهيَّة، بمَعْنى: أنَّ مَنْ أقرَّ بتَوْحيد الرُّبُوبيَّة لَزِمَهُ أَنْ يُقرَّ بتَوْحيد الإِلَهيَّة، ويَقُوم به، فمَنْ عَرَف أَنَّ الله ربُّه وَخَالقه لَزِمَهُ أَنْ يَعْبده وَحْده لاَ شَريك لَه، كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿وَأَنَا۠ رَبُّكُمۡ فَٱعۡبُدُونِ﴾ [الأنبياء: 92].