×
محاضرات في العقيدة والدعوة الجزء الأول

وَإذَا كَانَ الشِّرْكُ في هَذَا المُسْتَوَى مِنَ القُبْح وَالخُطُورَة، فَهَذَا ممَّا يُوجبُ شدَّةَ الحَذَر منَ الوُقُوع فيه، وَيُوجبُ عَلَى المُسْلم أَنْ يَعْرفَهُ ليَتَجَنَّبَهُ، وَيُوجبُ عَلَى المُسْلمينَ مُقَاوَمَتَهُ وَالقَضَاءَ عَلَيْه، وَقَدْ كَانَتْ مُهمَّةُ الرُّسُل - عَلَيْهمُ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ - في الدَّرَجَة الأُولَى مُقَاوَمَةَ الشِّرْكِ، وَالنَّهْي عَنْهُ، وَالتَّحْذير منْهُ، وَجهَاد المُشْركينَ بِاليَدِ وَاللِّسَان، كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿وَلَقَدۡ بَعَثۡنَا فِي كُلِّ أُمَّةٖ رَّسُولًا أَنِ ٱعۡبُدُواْ ٱللَّهَ وَٱجۡتَنِبُواْ ٱلطَّٰغُوتَۖ [النحل: 36].

وَكُلُّ رَسُولٍ يَقُولُ لقَوْمه: ﴿ٱعۡبُدُواْ ٱللَّهَ مَا لَكُم مِّنۡ إِلَٰهٍ غَيۡرُهُۥٓ [الأعراف: 59]؛ لأَنَّ الشِّرْك هُوَ أَعْظَمُ الفَسَاد الَّذي تُصَابُ به الأُمَمُ، وَهُوَ يُنَاقضُ الخَلْقَ وَالأَمْرَ، وَلاَ فَائدَةَ في جَمِيع الأَعْمَال مَعَ وُجُود الشِّرْك، وَهَذَا يُؤَكِّدُ عَلَى جَميع أَتْبَاع الرُّسُل مِنَ الدُّعَاة وَالمُصْلحينَ أَنْ تَتَّجهَ دَعَوَاتهمْ وَإصْلاَحُهمْ إلَى مُكَافَحَة الشِّرْك، وَإصْلاَح العَقَائد أَوَّلاً وَقَبْلَ كُلِّ شَيْءٍ، أَمَّا أَنْ تَتَّجهَ دَعَوَاتُهُمْ وَإصْلاَحُهمْ إلَى أُمُورٍ جَانبيَّةٍ، وَيَتْرُكُونَ الشِّرْك يَعجُّ في عَقَائدِ المُسْلمينَ بمَا يُمَارسُ حَوْلَ الأَضْرحَة وَبَيْنَ أَرْبَابِ الطُّرُق المُنْحَرفَة، فَهَذَا انْحرَافٌ بالدَّعْوَة عَنْ مَنْهَجهَا الصَّحيح الَّذي رَسَمَهُ رَسُولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم وَرَسَمَه الأَنْبيَاءُ - عَلَيْهمُ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ - مِنْ قَبْله، وَلَنْ تَأْتيَ هَذِهِ الدَّعَوَات بنَتيجَةٍ وَلاَ فَائدَةٍ؛ لأَنَّهَا بَدَأَتْ مِنْ حَيْثُ النِّهَايَةِ.

حُدُوثُ الشِّرْك في العَالَم وَسَبَبه

****

كَانَ النَّاسُ بَعْدَ آدَمَ عليه السلام عَلَى الدِّين الصَّحيح إلَى أَنْ حَدَثَ الشِّرْك في قَوْم نُوحٍ بسَبَب غُلُوِّهمْ في الصَّالحينَ لَمَّا مَاتُوا، فَصَوَّرُوا صُوَرَهُمْ 


الشرح