بإيحَاءٍ منَ الشَّيْطَان وَنَصَبُوهَا عَلَى
مَجَالِسِهمْ؛ ليَتَذَكَّرُوا بهَا أَحْوَالَهُمْ؛ فَيَنْشَطُوا عَلَى العبَادَةِ
بزَعْمِهِم، فَلَمَّا هَلَكَ هَذَا الجِيلُ الَّذي نَصَبَ تلْكَ الصُّوَر زَيَّنَ
الشَّيْطَان للْجِيلِ الَّذي جَاءَ مِنْ بَعْدِهِمْ عبَادَةَ تلْكَ الصُّوَر
فَعَبَدُوهَا، وَمنْ ذَلكَ الحِينِ حَدَثَ الشِّرْكُ في الأَرْض، فَبَعَثَ اللَّهُ
نَبيَّهُ نُوحًا عليه الصلاة والسلام يَدْعُو قَوْمَهُ إلَى التَّوْحيدِ،
وَيَنْهَاهُمْ عَنْ هَذَا الشِّرْك الَّذي وَقَعُوا فِيهِ، فَأَصَرُّوا عَلَى
شِرْكِهِمْ: ﴿وَقَالُواْ
لَا تَذَرُنَّ ءَالِهَتَكُمۡ وَلَا تَذَرُنَّ وَدّٗا وَلَا سُوَاعٗا وَلَا يَغُوثَ
وَيَعُوقَ وَنَسۡرٗا﴾ [نوح: 23].
وَتِلْكَ
أَسْمَاءُ الصَّالحينَ الَّذينَ غَلَوْا فِيهِمْ وَصَوَّرُوا صُوَرَهُمْ وَأَبَوْا
أَنْ يَتْرُكُوا عبَادَتَهُمْ، وَأَيِسَ نُوحٌ عليه السلام مِنْ هِدَايَتهمْ
بَعْدَ مُحَاوَلَةٍ طَويلَةٍ مَعَهُمْ، كَمَا قَالَ اللَّهُ: ﴿فَلَبِثَ
فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلاَّ خَمْسِينَ عَامًا﴾
[العنكبوت: 14]. ﴿وَأُوحِيَ
إِلَىٰ نُوحٍ أَنَّهُۥ لَن يُؤۡمِنَ مِن قَوۡمِكَ إِلَّا مَن قَدۡ ءَامَنَ﴾ [هود: 36].
عِنْدَ ذَلكَ دَعَا عَلَيْهمْ فَأَهْلَكَهُمْ
اللَّهُ بالطُّوفَان، وَأَنْجَى نُوحًا وَمَنْ آمَنَ مَعَهُمْ في الفُلْك، ثُمَّ
تَتَابَعَتِ الرُّسُلُ منْ بَعْد نُوحٍ تَدْعُو إلَى التَّوْحيدِ، وَتَنْهَى عَنِ
الشِّرْك إلَى أَنْ جَاءَ عَهْدُ إبْرَاهيمَ خَلِيلِ اللَّهِ، وَقَدْ بَلَغَ
الشِّرْكُ الطُّغْيَانَ وَالجَبَرُوتَ مِنَ الطَّوَاغِيتِ مَبْلَغًا عَظيمًا،
فَقَاوَمَ الشِّرْك وَالمُشْركينَ بالحُجَّة وَالبُرْهَان، وَحَطَّمَ الأَصْنَامَ
بِيَدِهِ، وَلَقيَ في سَبيل ذَلكَ أَشَدَّ أَنْوَاعِ الأَذَى وَأَقْسَى أَنْوَاع
التَّعْذِيبِ الَّذي سَلَّمَهُ اللَّهُ منْهُ حِينَ أَلْقَوْهُ في النَّار،
فَجَعَلَهَا اللَّهُ بقُدْرَتِهِ وَرَحْمَتِهِ بَرْدًا وَسَلاَمًا، وَجَعَلَ
العَاقبَة الحَميدَة لَهُ، وَجَعَلَ في ذُرِّيَّته النُّبُوَّةَ وَالكتَابَ،
وَبَقيَت النُّبُوَّةُ وَكَلِمَة التَّوْحيدِ في ذُرِّيَّته، كَمَا قَالَ
تَعَالَى: ﴿وَجَعَلۡنَا فِي ذُرِّيَّتِهِ ٱلنُّبُوَّةَ وَٱلۡكِتَٰبَ﴾
[العنكبوت: 27]. وَقَالَ تَعَالَى: ﴿وَجَعَلَهَا كَلِمَةَۢ بَاقِيَةٗ فِي عَقِبِهِۦ﴾
[الزخرف: 28]. خُصُوصًا العَرَبَ بَنِي إسْمَاعيلَ؛ فَإنَّ التَّوْحيدَ لَمْ
يَزَلْ فِيهمْ وَهُمْ عَلَى مِلَّةِ إبْرَاهيمَ وَإسْمَاعيلَ