قَالَ الإمَامُ ابْنُ رَجَبٍ رحمه الله:
وَتَحْقيقُ هَذَا المَعْنَى وَإيضَاحُهُ أَنَّ قَوْلَ العَبْد: «لاَ إلَهَ إلاَّ اللَّهُ» يَقْتَضي
أَنَّ لاَ إلَهَ لَهُ غَيْرُ اللَّه، وَالإلَهُ هُوَ الَّذي يُطَاعُ فَلاَ يُعْصَى
هَيْبَةً لَهُ وَإجْلاَلاً، وَمَحَبَّةً وَخَوْفًا وَرَجَاء وَتَوَكُّلاً عَلَيْه
وَسُؤَالاً مِنْهُ ودُعَاءً، وَلاَ يَصْلُحُ لذَلكَ كُلِّه إلاَّ اللَّهُ عز وجل.
وَلهَذَا،
لَمَّا قَالَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم لكُفَّار قُرَيْشٍ: «قُولُوا: لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ» ([1])،
قَالُوا: ﴿أَجَعَلَ
ٱلۡأٓلِهَةَ إِلَٰهٗا وَٰحِدًاۖ إِنَّ هَٰذَا لَشَيۡءٌ عُجَابٞ﴾ [ص: 5]، فَفَهِمُوا منْ هَذِهِ الكَلمَة أَنَّهَا
تُبْطلُ عبَادَةَ الأَصْنَام كُلِّهَا، وَتَحْصُرُ العبَادَةَ للَّه وَحْدَه
وَهُمْ لاَ يُريدُونَ ذَلكَ، فَتَبَيَّنَ بهَذَا المَعْنَى أَنَّ مَعْنَى «لاَ إلَهَ إلاَّ اللَّهُ»
وَمُقْتَضَاهَا: إفْرَادُ اللَّه بالعِبَادَةِ، وَتَرْك عبَادَة مَا سِوَاهُ،
فَإذَا قَالَ العَبْدُ: لاَ إلَهَ إلاَّ اللَّهُ، فَقَدْ أَعْلَنَ وُجُوبَ إفْرَاد
اللَّه بالعبَادَة، وَبُطْلاَن عِبَادَةِ مَا سِوَاهُ مِنَ الأَصْنَام وَالقُبُور
وَالأَوْليَاء وَالصَّالحينَ.
وَبهَذَا
يَبْطُلُ مَا يَعْتَقدُهُ عُبَّادُ القُبُور اليَوْمَ وَأَشْبَاههمْ منْ أَنَّ
مَعْنَى «لاَ إلَهَ إلاَّ اللَّهُ»:
هُوَ الإقْرَارُ بأَنَّ اللَّهَ مَوْجُودٌ، أَوْ أَنَّهُ هُوَ الخَالقُ القَادرُ
عَلَى الاخْترَاع وَأَشْبَاه ذَلكَ. أَوْ أَنَّ مَعْنَاهَا: لاَ حَاكميَّة إلاَّ
للَّه، وَيَظُنُّونَ أَنَّ مَن اعْتَقَدَ ذَلكَ وَفَسَّرَ بِهِ «لاَ إلَهَ إلاَّ اللَّهُ»، فَقَد
حَقَّقَ التَّوْحيدَ المُطْلَقَ، وَلَوْ فَعَلَ مَا فَعَلَ مِنْ عِبَادَةِ غَيْر
اللَّهِ، وَالاعْتقَاد بالأَمْوَات وَالتَّقَرُّب إلَيْهِمْ بالذَّبَائح
وَالنُّذُور، وَالطَّوَاف بِقُبُورهمْ، وَالتَّبَرُّك بتُرْبَتهمْ.
وَمَا شَعَرَ هَؤُلاَء أَنَّ كُفَّارَ العَرَب الأَوَّلينَ يُشَاركُونَهُمْ فِي هَذَا الاعْتقَاد، وَيَعْرِفُونَ أَنَّ اللَّهَ هُوَ الخَالقُ القَادرُ عَلَى الاخْترَاع، وَيُقرُّونَ بذَلكَ، وَأَنَّهُمْ مَا عَبَدُوا غَيْرَهُ إلاَّ لزَعْمِهِمْ أَنَّهُمْ يُقَرِّبُونَهُمْ إلَى اللَّه زُلْفَى، لاَ أَنَّهُمْ يَخْلُقُونَ وَيَرْزُقُونَ.
([1]) أخرجه: الترمذي رقم (3232)، وأحمد رقم (2008).