وَلَوْ كَانَ مَعْنى «لاَ إلَهَ إلاَّ اللَّهُ» مَا زَعَمَهُ هَؤُلاَء، لَمْ يَكُنْ بَيْنَ
الرَّسُول صلى الله عليه وسلم وَبَيْنَ المُشْركينَ نِزَاعٌ، بَلْ كَانُوا
يُبَادرُونَ إلَى إجَابَة الرَّسُول صلى الله عليه وسلم إذَا قَالَ لَهُمْ بزَعْم
هَؤُلاَء: أَقِرُّوا بأَنَّ اللَّهَ هُوَ القَادرُ عَلَى الاخْتِرَاع، لَكنَّ
القَوْمَ - وَهُمْ أَهْلُ اللِّسَان العَرَبيِّ - فَهِمُوا أَنَّهُمْ إذَا
قَالُوا: «لاَ إلَهَ إلاَّ اللَّهُ»
فَقَدْ أَقَرُّوا، وَلهَذَا نَفَرُوا منْهَا، وَقَالُوا: ﴿أَجَعَلَ ٱلۡأٓلِهَةَ إِلَٰهٗا وَٰحِدًاۖ إِنَّ هَٰذَا
لَشَيۡءٌ عُجَابٞ﴾ [ص: 5]
كَمَا قَالَ اللَّهُ عَنْهُمْ: ﴿إِنَّهُمۡ كَانُوٓاْ إِذَا قِيلَ لَهُمۡ لَآ إِلَٰهَ إِلَّا
ٱللَّهُ يَسۡتَكۡبِرُونَ ٣٥وَيَقُولُونَ أَئِنَّا لَتَارِكُوٓاْ ءَالِهَتِنَا لِشَاعِرٖ
مَّجۡنُونِۢ ٣٦﴾ [الصافات: 35 - 36]..فَعَرَفُوا
أَنَّ «لاَ إلَهَ إلاَّ اللَّهُ»
تَقْتَضي تَرْكَ عبَادَة مَا سِوَى اللَّه، وَإفْرَادَ اللَّهِ بالعِبَادَةِ،
وَأَنَّهُمْ لَوْ قَالُوهَا وَاسْتَمَرُّوا عَلَى عِبَادَةِ الأَصْنَام
لتَنَاقَضُوا مَعَ أَنْفُسِهِمْ، وَعُبَّاد القُبُور اليَوْمَ لاَ يَأْنَفُونَ منْ
هَذَا التَّنَاقُض الشَّنيع، فَهُمْ يَقُولُونَ: لاَ إلَهَ إلاَّ اللَّهُ، ثُمَّ
يَنْقُضُونَهَا بعِبَادَة الأَمْوَاتِ وَالتَّقَرُّب إلَى الأَضْرحَة بأَنْوَاعٍ
منَ العبَادَات، فتبًّا لمَنْ كَانَ أَبُو جَهْلٍ وَأَبُو لَهَبٍ أَعْلَمَ منْهُ
بمَعْنى «لاَ إلَهَ إلاَّ اللَّهُ».
وَالحَاصلُ،
أَنَّ مَنْ قَالَ هَذِهِ الكَلمَة عَارفًا لمَعْنَاهَا، عَاملاً بمُقْتَضَاهَا
ظَاهرًا وَبَاطنًا؛ مِنْ نَفْيِ الشِّرْك، وَإثْبَاتِ العِبَادَةِ للَّهِ مَعَ
الاعْتِقَادِ الجَازم لِمَا تَضَمَّنَتْهُ، وَالعَمَل بِهِ، فَهُوَ المُسْلمُ
حَقًّا، وَمَنْ قَالَهَا، وَعَمِلَ بمُقْتَضَاهَا ظَاهرًا مِنْ غَيْر اعْتقَادٍ
لمَا دَلَّتْ عَلَيْه فَهُوَ المُنَافقُ، وَمَنْ قَالَهَا بلسَانِهِ، وَعَملَ
بخلاَفهَا منَ الشِّرْك المُنَافي لَهَا فَهُوَ الكَافرُ وَلَوْ قَالَهَا آلاَفَ
المَرَّات؛ لأَنَّ عَمَلَهُ يُبْطلُ نُطْقَهُ بهَا، فَلاَ بُدَّ مَعَ النُّطْق
بهَذِهِ الكَلمَة منْ مَعْرفَة مَعْنَاهَا؛ لأَنَّ ذَلكَ وَسيلَةٌ للْعَمَل
بمُقْتَضَاهَا، قَالَ تَعَالَى: ﴿إِلَّا مَن شَهِدَ بِٱلۡحَقِّ وَهُمۡ يَعۡلَمُونَ﴾ [الزخرف: 86] وَالعَمَلُ بمُقْتَضَاهَا وَهُوَ تَرْكُ
عبَادَة مَا سِوَى اللَّه، وَعبَادَةُ اللَّه وَحْدَه هُوَ الغَايَةُ منْ هَذِهِ
الكَلمَة.