وَاقْتدَاءٌ بأَمْثَالِهِمْ، وَهُمْ أَقْرَبُ
النَّاس مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى عَنِ المُشْركينَ: ﴿إِنَّا وَجَدۡنَآ ءَابَآءَنَا عَلَىٰٓ أُمَّةٖ
وَإِنَّا عَلَىٰٓ ءَاثَٰرِهِم مُّهۡتَدُونَ﴾
[الزخرف: 22]، وَحِينَئذٍ فَلاَ مُنَافَاةَ بَيْنَ الأَحَادِيثِ، فَإنَّهُ إذَا
قَالَهَا بإِخْلاَصٍ وَيَقينٍ تَامٍّ، لَمْ يَكُنْ فِي هَذِهِ الحَالِ مُصرًّا
عَلَى ذَنْبٍ أَصْلاً؛ فَإنَّ كَمَالَ إخْلاَصِهِ وَيَقينِهِ يُوجبُ أَنْ يَكُونَ
اللَّهُ أَحَبَّ إلَيْه مِنْ كُلِّ شَيْءٍ، فَإذَنْ لاَ يَبْقَى فِي قَلْبِهِ
إرَادَةٌ لِمَا حَرَّمَ اللَّهُ، وَلاَ كَرَاهيَةَ لمَا أَمَرَ اللَّهُ، وَهَذَا
هُوَ الَّذي يَحْرمُ عَلَى النَّار، وَإنْ كَانَتْ لَهُ ذُنُوبٌ قَبْل ذَلكَ؛
فَإنَّ هَذَا الإيمَانَ، وَهَذِهِ التَّوْبَةُ، وَهَذَا الإخْلاَصُ، وَهَذِهِ
المَحَبَّةُ، وَهَذَا اليَقينُ، لاَ تَتْرُكُ لَهُ ذَنْبًا إلاَّ يُمْحَى كَمَا
يُمْحَى اللَّيْلُ بالنَّهَار». انْتَهَى كَلاَمُهُ رحمه الله.
وَقَالَ الشَّيْخُ مُحَمَّدُ بْن عَبْد الوَهَّاب رحمه الله فِي «كَشْف الشُّبُهَات»: «وَلَهُمْ شُبْهَةٌ أُخْرَى، يَقُولُونَ: إنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم أَنْكَرَ عَلَى أُسَامَةَ قَتْلَ مَنْ قَالَ: لاَ إلَهَ إلاَّ اللَّهُ، وَقَالَ: «أَقَتَلْتَهُ بَعْدَمَا قَالَ لاَ إِلَهَ إِلاَّ الله» ([1]) وَأَحَاديثُ أُخْرَى فِي الكَفِّ عَمَّنْ قَالَهَا، وَمُرَادُ هَؤُلاَء الجُهَلاَء: أَنَّ مَنْ قَالَهَا لاَ يَكْفُرُ، وَلاَ يُقْتَلُ لَوْ فَعَلَ مَا فَعَلَ، فَيُقَالُ لهَؤُلاَء الجُهَّال: مَعْلُومٌ أَنَّ رَسُولَ اللَّه صلى الله عليه وسلم قَاتلَ اليَهُودَ وَسَبَاهُمْ، وَهُمْ يَقُولُونَ: «لاَ إلَهَ إلاَّ اللَّهُ»، وَأَصْحَابُ رَسُولِ اللَّه صلى الله عليه وسلم قَاتَلُوا بَنِي حَنيفَة، وَهُمْ يَشْهَدُونَ أَنْ لاَ إلَهَ إلاَّ اللَّهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّه، وَيُصَلُّونَ، وَيَدْعُونَ إِلَى الإسْلاَم، وَكَذَلكَ الَّذينَ حَرَّقَهُمْ عَليُّ بْنُ أَبي طَالبٍ، وَهَؤُلاَء الجَهَلَةُ مُقِرُّونَ أَنَّ منْ أَنْكَرَ البَعْثَ كَفرَ وَقُتِلَ، وَلَوْ قَالَ: لاَ إلَهَ إلاَّ اللَّهُ، وَأَنَّ مَنْ جَحَدَ شَيْئًا مِنْ أَرْكَان الإسْلاَم، كَفَر وَقُتِلَ وَلَوْ قَالَهَا، فَكَيْفَ لاَ تَنْفَعُهُ
([1]) أخرجه: البخاري رقم (4269)، ومسلم رقم (96).