إذَا
جَحَدَ شَيْئًا مِنَ الفُرُوع وَتَنْفَعُهُ إذَا جَحَدَ التَّوْحيدَ الَّذي هُوَ أَصْلُ
دِينِ الرُّسُل وَرَأْسُهُ؟! وَلَكنَّ أَعْدَاءَ اللَّهِ مَا فَهِمُوا مَعْنَى الأَحَاديث».
وَقَالَ
رحمه الله: فَأَمَّا حَديثُ أُسَامَةَ، فَإنَّهُ قَتَلَ رَجُلاً ادَّعَى
الإسْلاَمَ بسَبَب أَنَّهُ ظَنَّ أَنَّهُ مَا ادَّعَاهُ إلاَّ خَوْفًا عَلَى
دَمِهِ وَمَاله، وَالرَّجُلُ إذَا أَظْهَرَ الإسْلاَمَ، وَجَبَ الكَفُّ عَنْهُ
حَتَّى يَتَبَيَّنَ منْهُ مَا يُخَالفُ ذَلكَ، وَأَنْزَلَ اللَّهُ فِي ذَلكَ: ﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ
ءَامَنُوٓاْ إِذَا ضَرَبۡتُمۡ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ فَتَبَيَّنُواْ﴾ [النساء: 94] أَيْ: (فَتَثَبَّتُوا)، فَالآيَةُ تَدُلُّ
عَلَى أَنَّهُ يَجبُ الكَفُّ عَنْهُ وَالتَّثَبُّت، فَإنْ تَبَيَّنَ بَعْدَ ذَلكَ
مَا يُخَالفُ الإسْلاَمَ قُتِلَ؛ لِقَوْله: ﴿فَتَبَيَّنُواْ﴾
[النساء: 94] ﴿فَتَبَيَّنُواْ﴾ [النساء: 94]، وَلَوْ كَانَ لاَ يُقْتلُ إذَا قَالَهَا
لَمْ يَكُنْ للتَّثَبُّت مَعْنًى، وَكَذَلكَ الحَدِيثُ الآخَرُ وَأَمْثَالُهُ
مَعْنَاهُ مَا ذَكَرْنَاهُ منْ أَنَّ مَنْ أَظْهَرَ الإسْلاَمَ وَالتَّوْحيدَ،
وَجَبَ الكَفُّ عَنْهُ إلاَّ إِنْ تَبَيَّنَ منْهُ مَا يُنَاقضُ ذَلكَ.
وَالدَّليلُ عَلَى هَذَا أَنَّ الرَّسُولَ صلى الله عليه وسلم الَّذي قَالَ: «أَقَتَلْتَهُ بَعْدَمَا قَالَ لاَ إِلَهَ إِلاَّ الله» ([1])، وَقَالَ «أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ، حَتَّى يَقُولُوا: لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ» ([2])، هُوَ الَّذي قَالَ فِي الخَوَارج: «فَأَيْنَمَا لَقِيتُمُوهُمْ فَاقْتُلُوهُمْ» ([3]) وَ«لَئِنْ أَنَا أَدْرَكْتُهُمْ قَتَلْتُهُمْ قَتْلَ عَادٍ» ([4])، مَعَ كَوْنِهِمْ مِنْ أَكْثَر النَّاس تَهْليلاً حَتَّى إنَّ الصَّحَابَةَ يَحْقُرُونَ أَعْمَالَهم عِنْدَهُمْ، وَهُمْ تَعَلَّمُوا العِلْمَ مِنَ الصَّحَابَة، فلْم تَنْفَعْهُمْ لاَ إلَهَ إلاَّ اللَّهُ، وَلاَ كَثْرَةُ العبَادَة، وَلاَ ادِّعَاء الإسْلاَم؛ لَمَّا ظَهَرَ منْهُمْ مُخَالَفَةُ الشَّريعَة، وَكَذَلكَ مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ قِتَالِ اليَهُود وَقِتَالِ الصَّحَابَة بَنِي حَنيفَةَ.
([1]) أخرجه: البخاري رقم (4269)، ومسلم رقم (96).