وَقَالَ الحَافظُ ابْنُ رَجَبٍ فِي رسَالَته
المُسَمَّاة: «كَلمَةُ الإخْلاَص»
عَلَى قَوْله صلى الله عليه وسلم: «أُمِرْتُ
أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَشْهَدُوا أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَأَنَّ
مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ» ([1])،
قَالَ: فَفَهِمَ عُمَرُ وَجَمَاعَةٌ منَ الصَّحَابَة أَنَّ مَنْ أَتَى
بالشَّهَادَتَيْن امْتَنَعَ منْ عُقُوبَة الدُّنْيَا بمُجَرَّد ذَلكَ،
فَتَوَقَّفُوا فِي قِتَالِ مَانِعِي الزَّكَاة، وَفَهِمَ الصِّدِّيق أَلاَّ
يَمْتَنعَ قِتَالُهُ إلاَّ بأَدَاء حُقُوقهَا؛ لقَوْله صلى الله عليه وسلم: «فَإِذَا فَعَلُوا ذَلكَ، عَصَمُوا مِنِّي
دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ إِلاَّ بِحَقِّهَا وَحِسَابُهُمْ عَلَى اللهِ» ([2])،
وَقَالَ: «الزَّكَاةُ حَقُّ الْمَالِ»
([3])،
وَهَذَا الَّذي فَهِمَهُ الصِّدِّيقُ قَدْ رَوَاهُ عَنِ النَّبيِّ صلى الله عليه
وسلم صَريحًا غَيْرُ وَاحدٍ منَ الصَّحَابَة؛ منْهُمْ ابْنُ عُمَرَ وَأَنَسٌ وَغَيْرهمَا،
وَأَنَّهُ قَالَ: «أُمِرْتُ أَنْ
أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَشْهَدُوا أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَأَنَّ
مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ وَيُقِيمُوا الصَّلاَةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ» ([4])،
وَقَدْ دَلَّ عَلَى ذَلكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿فَإِن تَابُواْ وَأَقَامُواْ ٱلصَّلَوٰةَ وَءَاتَوُاْ ٱلزَّكَوٰةَ
فَإِخۡوَٰنُكُمۡ فِي ٱلدِّينِۗ﴾
[التوبة: 11].
عَلَى أَنَّ الأُخُوَّةَ فِي الدِّين لاَ تَثْبُتُ إلاَّ بأَدَاء الفَرَائض مَعَ التَّوْحيد؛ فَإنَّ التَّوْبَةَ منَ الشِّرْك لاَ تَحْصُلُ إلاَّ بالتَّوْحيد، فَلَمَّا قَرَّرَ أَبُو بَكْرٍ هَذَا للصَّحَابَة، رَجَعُوا إلَى قَوْله، وَرَأَوْهُ صَوَابًا، فَإذَا عُلِمَ أَنَّ عُقُوبَةَ الدُّنْيَا لاَ تَرْتَفعُ عَمَّنْ أَدَّى الشَّهَادَتَيْن مُطْلَقًا، بَلْ يُعَاقَبُ بإخْلاَلِهِ بحَقٍّ مِنْ حُقُوق الإسْلاَم، فَكَذَلكَ عُقُوبَة الآخِرَةِ، وَقَالَ أَيْضًا: وَقَالَتْ طَائفَةٌ منَ العُلَمَاء: المُرَادُ مِنْ هَذِهِ الأَحَادِيثِ أَنَّ التَّلَفُّظَ بِلاَ إلَهَ إلاَّ اللَّهُ سَبَبٌ لدُخُول الجَنَّة، وَالنَّجَاة منَ النَّار، وَمُقْتَضٍ لذَلكَ.
([1]) أخرجه: البخاري رقم (25)، ومسلم رقم (22).