×
محاضرات في العقيدة والدعوة الجزء الأول

 قَالَ الدُّكْتُورُ صَابرُ طعيمَة فِي كتَابه: «الصُّوفيَّةُ مُعْتَقدًا وَمَسْلَكًا»: أَصْبَحَ الرَّقْصُ الصُّوفيُّ الحَدِيثُ عنْدَ مُعْظَم الطُّرُق الصُّوفيَّة فِي مُنَاسَبَات الاحْتفَال بمَوَالد بَعْض كِبَارِهِمْ أَن يَجْتَمعَ الأَتْبَاعُ لسَمَاع النُّوتَة المُوسيقيَّة الَّتي يُكَوِّنُ صَوْتَهَا أَحْيَانًا أَكْثَرَ من مِائَتَي عَازِفٍ مِنَ الرِّجَال وَالنِّسَاء، وَكِبَار الأَتْبَاع يَجْلِسُونَ فِي هَذِهِ المُنَاسَبَات يَتَنَاوَلُونَ أَلْوَانًا مِنْ شُرْبِ الدُّخَانِ، وَكِبَار أَئمَّة القَوْم وَأَتْبَاعُهُم يَقُومُونَ بمُدَارَسَة بَعْض الخُرَافَات الَّتي تُنْسَبُ لمَقْبُورِيهِم، وَقَد انْتَهَى إلَى عِلْمِنَا منَ المُطَالَعَات أَنَّ الأَدَاءَ المُوسيقيَّ لبَعْض الطُّرُق الصُّوفيَّة مُسْتَمَدٌّ ممَّا يُسَمَّى «كُورَال صَلَوَات الآحَاد المَسيحيَّة».

وَقَالَ شَيْخُ الإسْلاَم ابْنُ تَيْمية مُبَيِّنًا وَقْتَ حُدُوث هَذَا، وَمَوْقف الأَئمَّة منْهُ، وَمَنِ الَّذي أَحْدَثَهُ: اعْلَم أَنَّهُ لَم يَكُن فِي عُنْفُوَان القُرُون الثَّلاَثَة المُفَضَّلَة لاَ بالحِجَازِ وَلاَ بالشَّام وَلاَ باليَمَن وَلاَ مِصْر وَلاَ المَغْرب وَلاَ العِرَاق وَلاَ خُرَاسَان من أَهْل الدِّين وَالصَّلاَح وَالزُّهْد وَالعبَادَة مَنْ يَجْتَمع عَلَى مِثْلِ سَمَاع المُكَاء وَالتَّصْديَة لاَ بِدُفٍّ وَلاَ بكَفٍّ وَلاَ بِقَضِيبٍ، وَإنَّمَا أُحْدِثَ هَذَا بَعْدَ ذَلكَ فِي أَوَاخر المِائَةِ الثَّانيَة، فَلَمَّا رَآهُ الأَئمَّةُ أَنْكَرُوهُ، فَقَالَ الشَّافعيُّ رضي الله عنه: خَلَّفْتُ ببَغْدَادَ شَيْئًا أَحْدَثَتْهُ الزَّنَادقَةُ يُسَمُّونهُ «التَّغْبير» يَصُدُّونَ به النَّاس عَن القُرْآن. وَقَالَ يَزيدُ بْنُ هَارُونَ: مَا يُغَبِّر إلاَّ فَاسِقٌ، وَمَتَى كَانَ التَّغْبير؟!

وَسُئِلَ الإمَامُ أَحْمَدُ، فَقَالَ: أَكْرَهُهُ هُوَ مُحْدَثٌ. قِيلَ: أَتَجْلس مَعَهُمْ؟ قَالَ: لاَ، وَكَذَلكَ سَائرُ أَئمَّة الدِّين كَرِهُوهُ، وَأَكَابرُ الشُّيُوخ الصَّالحينَ لَم يَحْضُرُوهُ، فَلمَ يَحْضُرْهُ إبْرَاهيمُ بْنُ أَدْهَمَ، وَلاَ الفُضَيل بْنُ عِيَاضٍ، وَلاَ مَعْرُوفٌ الكَرْخي، وَلاَ أَبُو سُلَيْمَانَ الدَّارَاني، وَلاَ أَحْمَد بْن أَبِي الحَوَاريِّ وَالسَّريُّ السَّقَطي وَأَمْثَالهمْ.


الشرح