أَنَّهُمْ قَدْ صَارُوا سُدًى، لاَ أَمْرَ
عَلَيْهم، وَلاَ نَهْيَ، إلَى أَنْ قَالَ: وَمِنْ هَؤُلاَء مَنْ يَحْتَجُّ
بقَوْله: ﴿وَٱعۡبُدۡ
رَبَّكَ حَتَّىٰ يَأۡتِيَكَ ٱلۡيَقِينُ﴾
[الحجر: 99].
وَيَقُولُ:
مَعْنَاهَا: اعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَحْصُلَ لَكَ العِلْمُ وَالمَعْرفَةُ، فَإذَا
حَصَلَ ذَلكَ، سَقَطَتِ العِبَادَةُ، وَرُبَّمَا قَالَ بَعْضُهُمْ: اعْمَلْ حَتَّى
يَحْصُلَ لَكَ حَالٌ، فَإذَا حَصَلَ لَكَ حَالٌ تَصَوُّفـيٌّ سَقَطَتْ عَنْكَ
العبَادَةُ، وَهَؤُلاَء فِيهِم مَنْ إذَا ظَنَّ حُصُولَ مَطْلُوبه مِنَ
المَعْرفَةِ وَالحَالِ اسْتَحَلَّ تَرْكَ الفَرَائض، وَارْتكَاب المَحَارم.
وَهَذَا كُفْرٌ كَمَا تَقَدَّمَ، إلَى أَنْ قَالَ: فَأَمَّا اسْتِدْلاَلُهُمْ
بقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَٱعۡبُدۡ
رَبَّكَ حَتَّىٰ يَأۡتِيَكَ ٱلۡيَقِينُ﴾
[الحجر: 99] فَهِيَ عَلَيْهم لاَ لَهُم. قَالَ الحَسَنُ البَصَريُّ: إنَّ اللَّهَ
لَم يَجْعَل لعَمَل المُؤْمنينَ أَجَلاً دُونَ المَوْت، وَقَرَأَ قَوْلَهُ: ﴿وَٱعۡبُدۡ
رَبَّكَ حَتَّىٰ يَأۡتِيَكَ ٱلۡيَقِينُ﴾
[الحجر: 99].
وَذَلكَ
أَنَّ اليَقينَ هُنَا: المَوْتُ وَمَا بَعْدَهُ، باتِّفَاق عُلَمَاء المُسْلمينَ،
وَذَلكَ مِثْلَ قَوْلِهِ: ﴿مَا سَلَكَكُمۡ فِي سَقَرَ ٤٢قَالُواْ لَمۡ نَكُ مِنَ ٱلۡمُصَلِّينَ
٤٣﴾ [المدثر: 42 - 43].
إلَى
قَوْله: ﴿وَكُنَّا
نَخُوضُ مَعَ ٱلۡخَآئِضِينَ ٤٥وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوۡمِ ٱلدِّينِ ٤٦حَتَّىٰٓ
أَتَىٰنَا ٱلۡيَقِينُ ٤٧﴾
[المدثر: 45 - 47].
فَهَذَا
قَالُوهُ وَهُمْ فِي جَهَنَّمَ، وَأَخْبَرُوا أَنَّهُم كَانُوا عَلَى مَا هُمْ
عَلَيْه مِنْ تَرْكِ الصَّلاَة وَالزَّكَاة وَالتَّكْذيب بالآخِرَةِ وَالخَوْض
مَعَ الخَائِضِينَ حَتَّى أَتَاهُمُ اليَقينُ، وَمَعْلُومٌ أَنَّهُم مَعَ هَذَا
الحَال لَم يَكُونُوا مُؤْمنينَ بذَلكَ فِي الدُّنْيَا، وَلَم يَكُونُوا مَعَ
الَّذينَ قَالَ اللَّهُ فيهمْ: ﴿وَبِٱلۡأٓخِرَةِ هُمۡ يُوقِنُونَ﴾ [البقرة: 4].
وَإنَّمَا
أَرَادَ ذَلكَ أَنَّهُ أَتَاهُمْ مَا يَدعُونَ وَهُوَ اليَقينُ. انْتَهَى.