×
محاضرات في العقيدة والدعوة الجزء الأول

وَلَم يَكُونُوا يَذْهَبُونَ إلَى الطُّور الَّذي كَلَّمَ اللَّهُ عَلَيْه مُوسَى ليَصلُّوا فيه وَيَدْعُوا، أَوْ إلَى غَيْر هَذِهِ الأَمْكنَة من الجِبَالِ الَّتي يُقَالُ: إنَّ فيهَا مَقَامَات الأَنْبيَاء وَغَيْرهم، وَلاَ إلَى مَشْهَدٍ مَبْنيٍّ عَلَى أَثَرِ نَبيٍّ منَ الأَنْبيَاء.

وَأَيْضًا فَإنَّ المَكَانَ الَّذي كَانَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي فِيهِ بالمَدينَة النَّبَويَّة دَائمًا لَم يَكُنْ أَحَدٌ من السَّلَف يَسْتَلمُهُ، وَلاَ يُقَبِّلُهُ، وَلاَ المَوْضع الَّذي صَلَّى فيه بمَكَّةَ وَغَيْرهَا، فَإذَا كَانَ المَوْضعُ الَّذي كَانَ يَطَؤُهُ بقَدَمَيْه الكَريمَتَيْن، وَيُصَلِّي عَلَيْه، لَم يَشْرَع لأُمَّته التَّمَسُّحَ به، وَلاَ تَقْبيلَه، فَكَيْفَ بمَا يُقَالُ إنَّ غَيْرَهُ صَلَّى فيه، أَو نَامَ عَلَيْه؟! فَتَقْبيلُ شَيْءٍ مِنْ ذَلكَ وَالتَّمَسُّحُ به، قَد عَلِمَ العُلَمَاءُ بالاضْطرَار من دِينِ الإسْلاَم أَنَّ هَذَا لَيْسَ من شَريعَتِهِ صلى الله عليه وسلم.

البدَعُ فِي مَجَال العبَادَات وَالتَّقَرُّب إلَى اللَّه

****

البدَعُ الَّتي أُحْدِثَتْ فِي مَجَال العبَادَات فِي هَذَا الزَّمَان كَثيرَة؛ لأَنَّ الأَصْلَ فِي العبَادَات التَّوْقيفُ، فَلاَ يُشْرَعُ شَيْءٌ مِنْهَا إلاَّ بِدَلِيلٍ، وَمَا لَم يَدُلَّ عَلَيْهِ دَليلٌ فَهُوَ بِدْعَةٌ؛ لقَوْله صلى الله عليه وسلم: «مَنْ عَمِلَ عَمَلاً لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ» ([1]). وَالعبَادَاتُ التي تُمَارسُ الآنَ وَلاَ دَليلَ عَلَيْهَا كَثيرَةٌ جَدًّا، منْهَا: الجَهْرُ بالنِّيَّة للصَّلاَة، بأَنْ يَقُولَ: نَوَيْتُ أَنْ أُصَلِّي للَّه كَذَا وَكَذَا، وَهَذَا بدْعَةٌ؛ لأَنَّهُ لَيْسَ من سُنَّة النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم، وَلأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ: ﴿قُلۡ أَتُعَلِّمُونَ ٱللَّهَ بِدِينِكُمۡ وَٱللَّهُ يَعۡلَمُ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلۡأَرۡضِۚ وَٱللَّهُ بِكُلِّ شَيۡءٍ عَلِيمٞ [الحجرات: 16].

وَالنِّيَّةُ مَحَلُّهَا القَلْبُ، فَهيَ عَمَلٌ قَلْبيٌّ لاَ عَمَلٌ لسَانيٌّ. وَمنْهَا الذِّكْرُ الجَمَاعيُّ بَعْدَ الصَّلاَة؛ لأَنَّ المَشْرُوعَ أَنَّ كُلَّ شَخْصٍ يَقُولُ الذِّكْرَ الوَاردَ مُنْفَردًا.


الشرح

([1])  أخرجه: مسلم رقم (1718).