×
محاضرات في العقيدة والدعوة الجزء الأول

·       تَنْبيهٌ:

مَنْ قَسَّم البِدْعَةَ إلَى: بِدْعَةٍ حَسَنَةٍ، وَبدْعَةٍ سَيِّئَةٍ - فَهُوَ غَالِطٌ وَمُخْطئٌ وَمُخَالفٌ لقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم: «فَإِنَّ كُلَّ بِدْعَةٍ ضَلاَلَةٌ» ([1])؛ لأَنَّ الرَّسُولَ صلى الله عليه وسلم حَكَم عَلَى البِدَعِ كُلِّهَا بأَنَّهَا ضَلاَلَةٌ، وَهَذَا يَقُولُ: لَيْسَ كُلُّ بِدْعَةٍ ضَلاَلَة، بَل هُنَاكَ بِدْعَةٌ حَسَنَة.

قَالَ الحَافظُ ابْنُ رَجَبٍ فِي: فَقَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم: «كُلَّ بِدْعَةٍ ضَلاَلَةٌ» من جَوَامع الكَلِمِ لاَ يَخْرُجُ عَنْهُ شَيْءٌ، وَهُوَ أَصْلٌ عَظيمٌ من أُصُول الدِّين، وَهُوَ شَبيهٌ بقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ أَحْدَثَ فِي أَمْرِنَا هَذَا مَا لَيْسَ فِيهِ فَهُوَ رَدٌّ» ([2])، فَكُلُّ مَنْ أَحْدَثَ شَيْئًا وَنَسَبَهُ إلَى الدِّين، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ أَصْلٌ مِنَ الدِّين يَرْجعُ إلَيْه، فَهُوَ ضَلاَلَةٌ، وَالدِّينُ بَرِيءٌ مِنْهُ، وَسَوَاءٌ فِي ذَلكَ مَسَائلُ الاعْتقَادَات أَو الأَعْمَال أَو الأَقْوَال الظَّاهرَة وَالبَاطنَة. انْتَهَى.

وَلَيْسَ لهَؤُلاَء حُجَّة عَلَى أَنَّ هُنَاكَ بِدْعَةً حَسَنَةً إلاَّ قَوْلُ عُمَرَ رضي الله عنه فِي صَلاَة التَّرَاويح: «نِعْمَتُ البِدْعَة هِيَ»، وَقَالُوا أَيْضًا: إنَّهَا أُحْدِثَتْ أَشْيَاءُ لَم يَسْتَنْكِرْهَا السَّلَفُ، مِثْلَ جَمْع القُرْآن فِي كِتَابٍ وَاحِدٍ، وَكِتَابَة الْحَدِيثِ وَتَدْوينِهِ.

وَالجَوَابُ عَن ذَلكَ: أَنَّ الأُمُورَ لَهَا أَصْلٌ فِي الشَّرْع، فَلَيْسَت مُحْدثَةً. وَقَوْلُ عُمَرَ: «نِعْمَتُ البدْعَة» يُريدُ البِدْعَةَ اللُّغَويَّةَ لاَ الشَّرْعيَّة، فَمَا كَانَ لَهُ أَصْلٌ فِي الشَّرْع، يَرْجِعُ إلَيْه إذَا قِيلَ: إنَّهُ بدْعَةٌ، فَهُوَ بِدْعَةٌ لُغَةً لاَ شَرْعًا؛ لأَنَّ البدْعَةَ شَرْعًا مَا لَيْسَ لَهُ أَصْلٌ فِي الشَّرْع يَرْجعُ إلَيْه، وَجَمْعُ القُرْآن فِي كِتَابٍ وَاحِدٍ لَهُ أَصْلٌ فِي الشَّرْع؛ لأَنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ


الشرح

([1])  أخرجه: أبو داود رقم (4607)، وابن ماجه رقم (42)، وأحمد رقم (17144).

([2])  أخرجه: البخاري رقم (2697)، ومسلم رقم (1718).