×
محاضرات في العقيدة والدعوة الجزء الأول

 بالعُلُوم وَالعِبَادَاتِ إنَّمَا وَقَعَ فِي الأُمَّة فِي أَوَاخِرِ خلاَفَة الخُلَفَاء الرَّاشِدِينَ، كَمَا أَخْبَرَ به النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم حَيْثُ قَالَ: «مَنْ يَعِشْ مِنْكُمْ بَعْدي فَسَيَرَى اخْتِلاَفًا كَثِيرًا، فَعَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ مِنْ بَعْدِي» ([1]) وَأَوَّلُ بِدْعَةٍ ظَهَرَتْ بِدْعَةُ القَدَر، وَبِدْعَة الإرْجَاء، وَبِدْعَة التَّشَيُّع وَالخَوَارج، هَذِهِ البِدَعُ ظَهَرَت فِي القَرْن الثَّاني وَالصَّحَابَة مَوْجُودُونَ، وَقَد أَنْكَرُوا عَلَى أَهْلهَا، ثُمَّ ظَهَرَت بِدْعَةُ الاعْتزَال، وَحَدَثَت الفِتَنُ بَيْنَ المُسْلمينَ، وَظَهَرَ اخْتلاَفُ الآرَاء، وَالمَيْل إلَى البِدَعِ وَالأَهْوَاء، وَظَهَرَت بِدْعَةُ التَّصَوُّف وَبِدْعَة البِنَاءِ عَلَى القُبُور بَعْدَ القُرُون المُفَضَّلَة، وَهَكَذَا كُلَّمَا تَأَخَّرَ الوَقْتُ، زَادَت البِدَعُ وَتَنَوَّعَتْ.

المسَألَةُ الثَّانيَةُ: مَكَانُ ظُهُور البدَع.

تَخْتَلفُ البُلْدَانُ الإسْلاَميَّةُ فِي ظُهُور البِدَعِ فيهَا. قَالَ شَيْخُ الإسْلاَم ابْنُ تَيْمية: فَإنَّ الأَمْصَارَ الكِبَارَ الَّتي سَكَنَهَا أَصْحَابُ رَسُول اللَّه صلى الله عليه وسلم، وَخَرَجَ منْهَا العِلْمُ وَالإيمَانُ خَمْسَةٌ: الحَرَمَانِ وَالعِرَاقَانِ وَالشَّام، منْهَا خَرَجَ القُرْآنُ وَالحَدِيثُ وَالفِقْهُ وَالعبَادَةُ، وَمَا يَتْبَع ذَلكَ من أُمُور الإسْلاَم. وَخَرَجَ من هَذِهِ الأَمْصَار بِدَعٌ أُصُوليَّةٌ غَيْر المَدينَة النَّبَويَّة؛ فَالكُوفَةُ خَرَجَ مِنْهَا التَّشَيُّع وَالإرْجَاء، وَانْتَشَرَ بَعْدَ ذَلكَ فِي غَيْرهَا، وَالبَصْرَةُ خَرَجَ منْهَا القَدَرُ وَالاعْتزَالُ وَالنُّسُكُ الفَاسدُ، وَانْتَشَرَ بَعْدَ ذَلكَ فِي غَيْرهَا، وَالشَّامُ كَانَ بهَا النَّصْبُ وَالقَدَرُ. أَمَّا التَّجَهُّمُ فَإنَّمَا ظَهَرَ فِي نَاحيَة خُرَاسَانَ وَهُوَ شَرُّ البِدَعِ، وَكَانَ ظُهُورُ البِدَعِ حَسَبَ البُعْد عَن الدَّار النَّبَويَّة، فَلَمَّا حَدَثَت الفُرْقَةُ بَعْدَ مَقْتَل عُثْمَانَ، ظَهَرَت بِدْعَةُ الحَرُوريَّة.


الشرح

([1])  أخرجه: أبو داود رقم (4607)، وابن ماجه رقم (42)، وأحمد رقم (17144).