×
محاضرات في العقيدة والدعوة الجزء الأول

وَأَمَّا المَدينَةُ النَّبَويَّةُ فَكَانَتْ سَليمَةً من ظُهُور هَذِهِ البِدَعِ وَإنْ كَانَ بِهَا مَنْ هُوَ مُضْمرٌ لذَلكَ، فَكَانَ عِنْدَهُم مُهَانًا مَذْمُومًا؛ إِذْ كَانَ بِهَا قَوْمٌ مِنَ القَدَريَّة وَغَيْرِهِمْ، وَلَكن كَانُوا مَقْهُورينَ ذَلِيلِينَ بخلاَف التَّشَيُّع وَالإرْجَاء بالكُوفَة، وَالاعْتزَال وَبِدَع النُّسَّاك بالبَصْرَة، وَالنَّصْب بالشَّام، فَإنَّهُ كَانَ ظَاهرًا.

وَقَد ثَبَتَ فِي الصَّحيح عَن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم فِي المَدينَة أَنَّ الدَّجَّالَ لاَ يَدْخُلُهَا، وَلَم يَزَل العِلْمُ وَالإيمَانُ بِهَا ظَاهرًا عَلَى زَمَن أَصْحَاب مَالِكٍ، وَهُوَ من أَهْل القَرْن الرَّابع.

فَأَمَّا الأَعْصَارُ الثَّلاَثَةُ المُفَضلَّة فَلَمْ يَكُنْ فيهَا بالمَدينَة النَّبَويَّة بِدْعَةٌ ظَاهرَةٌ البَتَّة، وَلاَ خَرَجَ منْهَا بِدْعَةٌ فِي أُصُول الدِّين البَتَّة كَمَا خَرَجَ من سَائِرِ الأَمْصَار.

الأَسْبَابُ التي أَدَّت إلَى ظُهُور البدَع

****

ممَّا لاَ شَكَّ فيه أَنَّ الاعْتصَامَ بالكِتَابِ وَالسُّنَّة فيه مَنْجَاةٌ من الوُقُوع فِي البِدَعِ وَالضَّلاَل، قَالَ تَعَالَى: ﴿وَأَنَّ هَٰذَا صِرَٰطِي مُسۡتَقِيمٗا فَٱتَّبِعُوهُۖ وَلَا تَتَّبِعُواْ ٱلسُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمۡ عَن سَبِيلِهِۦۚ [الأنعام: 153]، وَقَد وَضَّحَ ذَلكَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم فيمَا رَوَاهُ ابْنُ مَسْعُود رضي الله عنه قَالَ: خَطَّ لَنَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم خَطًّا، فَقَالَ: «هَذَا سَبِيلُ اللهِ»، ثُمَّ خَطَّ خُطُوطًا عَنْ يَمِينِهِ وَعَنْ شِمَالِهِ، ثُمَّ قَالَ: «وَهَذِهِ سُبُل عَلَى كُلِّ سَبِيلٍ مِنْهَا شَيْطَانٌ يَدْعُو إِلَيْهِ». ثُمَّ تَلاَ: ﴿وَأَنَّ هَٰذَا صِرَٰطِي مُسۡتَقِيمٗا فَٱتَّبِعُوهُۖ وَلَا تَتَّبِعُواْ ٱلسُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمۡ عَن سَبِيلِهِۦۚ ذَٰلِكُمۡ وَصَّىٰكُم بِهِۦ لَعَلَّكُمۡ تَتَّقُونَ [الأنعام: 153] ([1]).


الشرح

([1])  أخرجه: النسائي في الكبرى رقم (11109)، وأحمد رقم (4142).