فَمَنْ أَعْرَضَ عَنِ الكِتَابِ وَالسُّنَّة،
تَنَازَعَتْهُ الطُّرُقُ المُضَلِّلَةُ، وَالبِدَعُ المُحْدَثَةُ، فَالأَسْبَابُ
الَّتِي أَدَّتْ إِلَى ظُهُور البِدَعِ تَتَخَلَّصُ فِي الأُمُور التَّاليَة:
الجَهْلُ بأَحْكَام الدِّين، اتِّبَاعُ الهَوَى، التَّعَصُّبُ للآْرَاء
وَالأَشْخَاص، التَّشَبُّهُ بالكُفَّار وَتَقْليدُهُمْ. وَنَتَنَاوَلُ هَذِهِ
الأَسْبَابَ بشَيْءٍ منَ التَّفْصيل:
الجَهْلُ
بأَحْكَام الدِّين: كُلَّمَا امْتَدَّ الزَّمَنُ،
وَبَعُدَ النَّاسُ عَن آثَار الرِّسَالَة، قَلَّ العِلْمُ، وَفَشَا الجَهْلُ،
كَمَا أَخْبَرَ بذَلكَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم بقَوْله: «مَنْ يَعِشْ مِنْكُمْ بَعْدي فَسَيَرَى
اخْتِلاَفًا كَثِيرًا» ([1])،
وَقَوْله: «إِنَّ اللهَ لاَ يَقْبِضُ
الْعِلْمَ انْتِزَاعًا يَنْتَزِعُهُ مِنَ العِبَاد، وَلَكِنْ يَقْبِضُ الْعِلْمَ
بِقَبْضِ الْعُلَمَاءِ، حَتَّى إِذَا لَمْ يُبْقِ عَالِمًا، اتَّخَذَ النَّاسُ
رُءُوسًا جُهَّالاً، فَسُئِلُوا فَأَفْتَوْا بِغَيْرِ عِلْمٍ، فَضَلُّوا
وَأَضَلُّوا» ([2])
فَلاَ يُقَاوِمُ البِدَعَ إلاَّ العِلْمُ وَالعُلَمَاءُ، فَإذَا فُقِدَ العِلْمُ وَالعُلَمَاءُ
أُتِيحَتِ الفُرْصَةُ للْبِدَعِ أَن تَظْهَرَ وَتَنْتَشِرَ، وَلأَهْلهَا أَن
يَنْشَطُوا.
اتِّبَاعُ
الهَوَى: مَنْ أَعْرضَ عَن الكتَاب وَالسُّنَّة، اتَّبَعَ
هَوَاهُ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿فَإِن لَّمۡ يَسۡتَجِيبُواْ لَكَ فَٱعۡلَمۡ أَنَّمَا
يَتَّبِعُونَ أَهۡوَآءَهُمۡۚ وَمَنۡ أَضَلُّ مِمَّنِ ٱتَّبَعَ هَوَىٰهُ بِغَيۡرِ
هُدٗى مِّنَ ٱللَّهِۚ﴾ [القصص:
50] وَقَالَ تَعَالَى: ﴿أَفَرَءَيۡتَ
مَنِ ٱتَّخَذَ إِلَٰهَهُۥ هَوَىٰهُ وَأَضَلَّهُ ٱللَّهُ عَلَىٰ عِلۡمٖ وَخَتَمَ
عَلَىٰ سَمۡعِهِۦ وَقَلۡبِهِۦ وَجَعَلَ عَلَىٰ بَصَرِهِۦ غِشَٰوَةٗ فَمَن
يَهۡدِيهِ مِنۢ بَعۡدِ ٱللَّهِۚ﴾
[الجاثية: 23]. وَالبِدَعُ إنَّمَا هيَ نَسيجُ الهَوَى المُتَّبَع.
التَّعَصُّبُ للآْرَاء وَالرِّجَال يَحُولُ بَيْنَ المَرْءِ وَاتِّبَاع الدَّليل وَمَعْرفَة الحَقِّ، فَقَالَ تَعَالَى: ﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ ٱتَّبِعُواْ مَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ قَالُواْ بَلۡ نَتَّبِعُ مَآ أَلۡفَيۡنَا
([1]) أخرجه: أبو داود رقم (4607)، وابن ماجه رقم (42)، وأحمد رقم (17144).